التدخلات الإقليمية والدولية في سوريا

| رشاد الشيخ

اندلعت‭ ‬الانتفاضة‭ ‬السورية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2011‭ ‬كغيرها‭ ‬من‭ ‬الانتفاضات‭ ‬العربية‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬عرفت‭ ‬بما‭ ‬يسمى‭ ‬بالربيع‭ ‬العربي،‭ ‬ونظراً‭ ‬لأهمية‭ ‬الموقع‭ ‬الجيواستراتيجي‭ ‬لسوريا،‭ ‬أخذ‭ ‬الصراع‭ ‬يتخذ‭ ‬طابعاً‭ ‬إقليمياً‭ ‬ودولياً،‭ ‬وانخرطت‭ ‬فيه‭ ‬أطراف‭ ‬عدة‭ ‬بالوكالة‭ ‬عن‭ ‬دول‭ ‬إقليمية‭ ‬ودولية،‭ ‬وكانت‭ ‬بدايته‭ ‬مع‭ ‬تشكيل‭ ‬التحالف‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬لمواجهة‭ ‬تنظيم‭ ‬الدولة‭ ‬“داعش”،‭ ‬ثم‭ ‬جاء‭ ‬التدخل‭ ‬العسكري‭ ‬الروسي‭ ‬مطلع‭ ‬عام‭ ‬2015‭ ‬بطلب‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬السوري،‭ ‬والذي‭ ‬سبقه‭ ‬التدخل‭ ‬الإيراني‭ ‬وحزب‭ ‬الله‭ ‬للوقوف‭ ‬في‭ ‬صف‭ ‬النظام‭ ‬أيضا،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬التدخل‭ ‬العسكري‭ ‬التركي‭ ‬المباشر‭ ‬مطلع‭ ‬عام‭ ‬2016،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استهداف‭ ‬مناطق‭ ‬شمال‭ ‬سوريا‭ ‬للحيلولة‭ ‬دون‭ ‬تمكن‭ ‬وحدات‭ ‬حماية‭ ‬الشعب‭ ‬الكردية‭ ‬من‭ ‬إنشاء‭ ‬منطقة‭ ‬حكم‭ ‬ذاتي‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬الحدود‭ ‬الشمالية‭ ‬السورية‭ ‬مع‭ ‬تركيا‭.‬

إن‭ ‬موافقة‭ ‬النظام‭ ‬السوري‭ ‬على‭ ‬التدخل‭ ‬الروسي‭ ‬جاء‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬التدخلات‭ ‬الإيرانية‭ ‬وميليشياتها‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬موقع‭ ‬سوريا‭ ‬الجغرافي‭ ‬يمثل‭ ‬أهمية‭ ‬كبرى‭ ‬لمصالح‭ ‬روسيا‭ ‬ومكانتها‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬ولأجل‭ ‬استعادة‭ ‬الدور‭ ‬والمكانة‭ ‬الدولية‭ ‬لها‭ ‬ضمن‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬الجديد‭ ‬بما‭ ‬يتيح‭ ‬منفذاً‭ ‬لأسطولها‭ ‬البحري‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأسود‭ ‬وتعزيز‭ ‬علاقتها‭ ‬مع‭ ‬الحلفاء‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬خصوصا‭ ‬بعد‭ ‬فقدانها‭ ‬حلفاءها‭ ‬السابقين‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬ولم‭ ‬يتبق‭ ‬حليف‭ ‬لها‭ ‬إلا‭ ‬سوريا‭. ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬ترى‭ ‬أميركا‭ ‬أنها‭ ‬بحاجة‭ ‬ماسة‭ ‬للأراضي‭ ‬السورية‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬تنظيم‭ ‬الدولة‭ ‬ومحاصرة‭ ‬المحور‭ ‬الأوراسي‭ ‬بقيادة‭ ‬روسيا‭ ‬والحيلولة‭ ‬دون‭ ‬وصولها‭ ‬لمنطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وللحفاظ‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬إسرائيل،‭ ‬ولمد‭ ‬خطوط‭ ‬الطاقة‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬والخليج‭ ‬عبر‭ ‬سوريا‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا‭ ‬لكسر‭ ‬حاجة‭ ‬أوروبا‭ ‬للغاز‭ ‬الروسي‭.‬

ويبدو‭ ‬التدخل‭ ‬التركي‭ ‬واضحاً‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬سوريا‭ ‬بغية‭ ‬عدم‭ ‬تمكين‭ ‬الأكراد‭ ‬من‭ ‬تكوين‭ ‬دولة‭ ‬لهم،‭ ‬فهي‭ ‬استخدمت‭ ‬المعارضة‭ ‬السورية‭ ‬لتنفيذ‭ ‬المشروع‭ ‬والمخطط‭ ‬التركي‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬كما‭ ‬قاتلت‭ ‬المعارضة‭ ‬ضد‭ ‬الكرد‭ ‬بالنيابة‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حماية‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬التركي‭ ‬وإقامة‭ ‬حزام‭ ‬عسكري‭ ‬بعد‭ ‬إجراء‭ ‬تغيير‭ ‬ديموغرافي‭ ‬بالقوة،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬لتدخل‭ ‬إيران‭ ‬وحزب‭ ‬الله‭ ‬اللبناني‭ ‬والميليشيات‭ ‬التابعة‭ ‬أثرا‭ ‬بالغا‭ ‬على‭ ‬مجريات‭ ‬الأحداث،‭ ‬حيث‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬تنظيم‭ ‬قوات‭ ‬النظام‭ ‬السوري‭ ‬وخوض‭ ‬المعارك‭ ‬الطاحنة‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬مناطق‭ ‬التماس‭. ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬يزداد‭ ‬سوءاً‭ ‬وتعقيداً‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت،‭ ‬فمازالت‭ ‬الحدود‭ ‬التركية‭ ‬السورية‭ ‬تشهد‭ ‬تطورات‭ ‬متعلقة‭ ‬بالظروف‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬وتفرض‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الرؤى‭ ‬حول‭ ‬المشروع‭ ‬التركي‭ ‬في‭ ‬الشمال‭ ‬السوري،‭ ‬كما‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬المخطط‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الروسي‭ ‬الذي‭ ‬يتركز‭ ‬على‭ ‬حجم‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬الأحداث‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬كما‭ ‬تعكس‭ ‬الأهداف‭ ‬الأميركية‭ ‬تحقيق‭ ‬مصالح‭ ‬استراتيجية‭ ‬مستقبلية‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬البعد‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الدائم،‭ ‬وتهدف‭ ‬القوتين‭ ‬الروسية‭ ‬والأميركية‭ ‬إلى‭ ‬تقاسم‭ ‬النفوذ‭ ‬والاستيلاء‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬السورية‭ ‬وبناء‭ ‬مصالح‭ ‬مشتركة‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬الأطراف‭ ‬المؤثرة،‭ ‬مع‭ ‬السعي‭ ‬إلى‭ ‬استمرارية‭ ‬تدفق‭ ‬الطاقة‭ ‬مقابل‭ ‬تزويد‭ ‬الحلفاء‭ ‬المحليين‭ ‬بالأسلحة‭.‬