رسائل لذوي الألباب

| عباس العمران

الرسالة‭ ‬الأولى‭: ‬يقولُ‭ ‬الحق‭ - ‬جل‭ ‬في‭ ‬عُلاه‭ - ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬“وَاضْرِبْ‭ ‬لَهُم‭ ‬مَّثَلَ‭ ‬الْحَيَاةِ‭ ‬الدُّنْيَا‭ ‬كَمَاءٍ‭ ‬أَنزَلْنَاهُ‭ ‬مِنَ‭ ‬السَّمَاءِ‭ ‬فَاخْتَلَطَ‭ ‬بِهِ‭ ‬نَبَاتُ‭ ‬الْأَرْضِ‭ ‬فَأَصْبَحَ‭ ‬هَشِيمًا‭ ‬تَذْرُوهُ‭ ‬الرِّيَاحُ‭ ‬ۗ‭ ‬وَكَانَ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬عَلَىٰ‭ ‬كُلِّ‭ ‬شَيْءٍ‭ ‬مُّقْتَدِرًا”‭ ‬صدق‭ ‬الله‭ ‬العظيم‭. ‬يقول‭ ‬العلماء‭ ‬في‭ ‬شرح‭ ‬الآية‭ ‬الكريمة‭ ‬إن‭ ‬الله‭ - ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ - ‬شبه‭ ‬الدنيا‭ ‬بالماء؛‭ ‬لأن‭ ‬الماء‭ ‬لا‭ ‬يستقر‭ ‬في‭ ‬مكان،‭ ‬وكذلك‭ ‬الدنيا‭ ‬لا‭ ‬تدوم‭ ‬على‭ ‬حال‭ ‬مدى‭ ‬الدهر‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الماء‭ ‬لا‭ ‬يبقى‭ ‬أبدًا‭ ‬في‭ ‬عيون‭ ‬جارية،‭ ‬فقد‭ ‬تفنى‭ ‬العيون‭ ‬وتصبح‭ ‬الأرض‭ ‬قاحلة‭ ‬جافة‭ ‬لا‭ ‬يطيقُ‭ ‬الإنسان‭ ‬البقاء‭ ‬فيها،‭ ‬وكذلك‭ ‬الدنيا‭ ‬فهي‭ ‬فانية‭ ‬غير‭ ‬باقية‭ ‬لأحد‭. ‬ويكمنُ‭ ‬نفع‭ ‬الماء‭ ‬مادام‭ ‬بقدر‭ ‬معتدل،‭ ‬أما‭ ‬إن‭ ‬جاوز‭ ‬الحد‭ ‬صار‭ ‬مهلكاً،‭ ‬وكذلك‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬الدنيا؛‭ ‬ينتفع‭ ‬الإنسان‭ ‬منها‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يغنيه‭ ‬ويكفيه‭ ‬ولا‭ ‬يلهيه،‭ ‬فإن‭ ‬سعى‭ ‬فيها‭ ‬بجشعٍ‭ ‬وغرور‭ ‬فالهلاك‭ ‬مصيره‭ ‬لا‭ ‬محالة‭.‬

الرسالة‭ ‬الثانية‭: ‬من‭ ‬أبهى‭ ‬صفات‭ ‬الإنسانية‭ ‬أن‭ ‬تقابل‭ ‬الإحسان‭ ‬بالإحسان‭ ‬مع‭ ‬البشر،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬جنسهم‭ ‬وعرقهم‭ ‬ودينهم،‭ ‬وهذا‭ ‬جوهر‭ ‬جميع‭ ‬الرسالات‭ ‬السماوية‭ ‬المنزلة‭ ‬التي‭ ‬منّ‭ ‬الله‭ ‬بها‭ ‬علينا‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬المقام‭ ‬أذكر‭ ‬قصة‭ ‬أذهلتني‭ ‬لمؤسس‭ ‬شركة‭ ‬“نايك”‭ ‬للأحذية‭ ‬الرياضية،‭ ‬حيث‭ ‬إنه‭ ‬في‭ ‬بدايات‭ ‬تأسيس‭ ‬شركته‭ ‬لم‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬تصميم‭ ‬شعار‭ ‬للشركة‭ ‬عند‭ ‬مصمم‭ ‬محترف،‭ ‬فاتفق‭ ‬مع‭ ‬طالبة‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الجامعات‭ ‬على‭ ‬تصميمه‭ ‬مقابل‭ ‬مبلغ‭ ‬زهيد‭ (‬34‭ ‬دولارا‭) - ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬يمتلك‭ ‬المبلغ‭ ‬حينها‭ - ‬فتوسل‭ ‬إليها‭ ‬أن‭ ‬تؤجل‭ ‬صرف‭ ‬الشيك‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬توفر‭ ‬المبلغ؛‭ ‬ففعلت‭. ‬المذهل‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬قليلة‭ ‬أصبحت‭ ‬الشركة‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬الشركات‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭ ‬وأكثرها‭ ‬توسعا‭. ‬وفي‭ ‬حفل‭ ‬بهيج‭ ‬دعا‭ ‬المؤسس‭ ‬هذه‭ ‬الشابة‭ ‬وسط‭ ‬حضور‭ ‬ضخم‭ ‬ووسائل‭ ‬إعلام‭ ‬ليشكرها‭ ‬على‭ ‬وقوفها‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬بدايات‭ ‬التأسيس،‭ ‬وقدم‭ ‬لها‭ ‬خاتمًا‭ ‬نفيسًا‭ ‬و500‭ ‬سهم‭ ‬في‭ ‬الشركة‭. ‬الإحسان‭ ‬خُلق‭ ‬إنساني‭ ‬كبير‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬بعض‭ ‬الناس‭ ‬أن‭ ‬يتصف‭ ‬به‭ ‬مهما‭ ‬حاول‭ ‬ذلك،‭ ‬بينما‭ ‬النفوس‭ ‬الكبيرة‭ ‬تبقى‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الظروف‭ ‬والأحوال‭ ‬ولا‭ ‬تغيرها‭ ‬المناصب‭ ‬والأموال‭.‬

الرسالة‭ ‬الثالثة‭: ‬نعوذ‭ ‬بالله‭ ‬من‭ ‬إلف‭ ‬نِعَمِهِ‭ ‬التي‭ ‬نقابلها‭ ‬بعدم‭ ‬الشكر‭ ‬والامتنان‭. ‬لقد‭ ‬نزلت‭ ‬على‭ ‬أقوام‭ ‬عديدة‭ ‬سابقة‭ ‬نقم‭ ‬وعقاب‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬لأنهم‭ ‬كفروا‭ ‬بأنعم‭ ‬الله‭ ‬فلم‭ ‬يشكروا‭ ‬ولم‭ ‬يحمدوا،‭ ‬بل‭ ‬جحدوا‭! ‬ومن‭ ‬الجحود‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬فبعضهم‭ ‬يقابل‭ ‬المعروف‭ ‬بالنكران‭. ‬حين‭ ‬تقف‭ ‬موقفًا‭ ‬مشرِّفًا‭ ‬مع‭ ‬شخص‭ ‬جاحد‭.. ‬لا‭ ‬تسْعَ‭ ‬إليه‭ ‬ليشكرك،‭ ‬فقط‭ ‬راقب‭ ‬الأيام‭ ‬وكن‭ ‬صبورا،‭ ‬ولا‭ ‬تأسف‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬قدمت‭ ‬أبداً‭ ‬فهو‭ ‬محفوظ‭ ‬عند‭ ‬ربك‭.‬