نقطة ارتكاز

أنا والألكسو!

| د. غسان محمد عسيلان

لدي‭ ‬شغف‭ ‬بالشأن‭ ‬الثقافي،‭ ‬واهتمام‭ ‬بالمؤسسات‭ ‬المعنيَّة‭ ‬بإنتاج‭ ‬الثقافة‭ ‬والعناية‭ ‬بها،‭ ‬مثل‭ ‬المنظمة‭ ‬العربية‭ ‬للتربية‭ ‬والثقافة‭ ‬والعلوم‭ ‬“الألكسو”‭.‬

ذات‭ ‬ليلة‭ ‬كنت‭ ‬أتابع‭ ‬بعض‭ ‬القنوات‭ ‬الفضائية،‭ ‬وساءني‭ ‬ما‭ ‬وجدته‭ ‬من‭ ‬انحدار‭ ‬مستوى‭ ‬الأداء‭ ‬الفكري‭ ‬والثقافي‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬القنوات‭ ‬وعلى‭ ‬مختلف‭ ‬الأصعدة،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭: ‬أصبحت‭ ‬كلمات‭ ‬الأغاني‭ ‬رديئة‭ ‬وهابطة،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬الغناء‭ ‬الشعبي‭! ‬وصارت‭ ‬الدراما‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬الحضيض‭! ‬ويكاد‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬فيلم‭ ‬أو‭ ‬مسلسل‭ ‬من‭ ‬العنف‭ ‬والقسوة،‭ ‬والشذوذ‭ ‬الجنسي،‭ ‬والمجون،‭ ‬وشرب‭ ‬الخمور‭ ‬وتعاطي‭ ‬المخدرات،‭ ‬والإلحاد‭ ‬والكفر‭ ‬والزندقة‭! ‬حتى‭ ‬قرَّاء‭ ‬نشرات‭ ‬الأخبار‭ ‬تدنى‭ ‬مستواهم‭ ‬اللغوي‭ ‬كثيرًا،‭ ‬وهناك‭ ‬بعض‭ ‬المذيعين‭ ‬ومقدمي‭ ‬البرامج‭ ‬لا‭ ‬ينطقون‭ ‬جملة‭ ‬واحدة‭ ‬صحيحة‭ ‬لغويًّا،‭ ‬وكأنهم‭ ‬لم‭ ‬يسمعوا‭ ‬في‭ ‬حياتهم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬عن‭ ‬القواعد‭ ‬النحوية‭.‬

في‭ ‬تلك‭ ‬الليلة‭ ‬نمت‭ ‬متأثرًا‭ ‬بما‭ ‬شاهدت،‭ ‬ورأيت‭ ‬في‭ ‬المنام‭ ‬وكأني‭ ‬أتكلم‭ ‬مع‭ ‬“الألكسو”‭ ‬في‭ ‬حوارٍ‭ ‬صادق‭ ‬وحديثٍ‭ ‬مُخلص‭ ‬نابع‭ ‬من‭ ‬القلب‭ ‬مع‭ ‬أعز‭ ‬الأصدقاء‭.‬

في‭ ‬البداية‭ ‬رحبت‭ ‬بها‭ ‬وأشدت‭ ‬بدورها‭ ‬قائلًا‭: ‬أهنئك‭ ‬على‭ ‬عملك‭ ‬ودورك‭ ‬المهم‭ ‬في‭ ‬العناية‭ ‬بالثقافة‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الرسمي‭ ‬والأكاديمي،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬أشعر‭ ‬أنك‭ ‬بعيدة‭ ‬بعض‭ ‬الشيء‭ ‬عن‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬ودورك‭ ‬في‭ ‬مجريات‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬حاليًّا‭ ‬ليس‭ ‬كما‭ ‬المأمول‭!‬

قالت‭: ‬أتفق‭ ‬معك،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬راجع‭ ‬لأسباب‭ ‬كثيرة،‭ ‬وعوامل‭ ‬متعددة،‭ ‬فلستُ‭ ‬جهة‭ ‬تنفيذية‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬رقابية‭ ‬على‭ ‬الشأن‭ ‬الثقافي‭ ‬العربي،‭ ‬دوري‭ ‬توجيهي‭ ‬وأكاديمي‭ ‬فقط،‭ ‬أضف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬ضعف‭ ‬مواردي‭ ‬المالية‭ ‬ومحدوديتها‭.‬

قلت‭: ‬للأسف‭ ‬هناك‭ ‬تراجع‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬والإعلام،‭ ‬ومستوى‭ ‬المخرجات‭ ‬التعليمية‭ ‬ضعيف،‭ ‬وهناك‭ ‬وزراء،‭ ‬وقضاةٌ،‭ ‬وإعلاميون،‭ ‬ومعلمون،‭ ‬وأساتذة‭ ‬جامعات،‭ ‬بل‭ ‬وأئمة‭ ‬مساجد‭ ‬لا‭ ‬يُجيدون‭ ‬التحدث‭ ‬بالعربية،‭ ‬وكلامُهم‭ ‬مليء‭ ‬باللحن‭ ‬والأخطاء‭ ‬بصورة‭ ‬ملفتة‭ ‬تعكس‭ ‬تردي‭ ‬الأوضاع‭ ‬التربوية‭ ‬والتعليمية‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬العربية‭!‬

قالت‭: ‬نعم‭ ‬كلامك‭ ‬صحيح،‭ ‬لكنني‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭ ‬أبذل‭ ‬جهودًا‭ ‬جبارة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬حفظ‭ ‬المخطوطات،‭ ‬والترجمة‭ ‬والتعريب‭ ‬والمعاجم‭ ‬اللغوية‭ ‬وغيرها‭.‬

قلت‭: ‬جهودك‭ ‬مشكورة‭ ‬ومُقدَّرة،‭ ‬والكرة‭ ‬بالطبع‭ ‬في‭ ‬ملعب‭ ‬الحكومات‭ ‬العربية‭! ‬وأتمنى‭ ‬أن‭ ‬تُقدم‭ ‬لك‭ ‬كل‭ ‬التسهيلات‭ ‬لمساعدتك‭ ‬في‭ ‬القيام‭ ‬بدورك‭ ‬على‭ ‬الوجه‭ ‬الأكمل،‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬ثقافتنا‭ ‬العربية‭ ‬العريقة‭.‬

قالت‭: ‬كلنا‭ ‬نأمل‭ ‬ذلك‭.‬