ستة على ستة

بين التكنولوجيا والعمالة البشرية

| عطا السيد الشعراوي

ربما‭ ‬تكون‭ ‬كلمة‭ ‬البعد‭ ‬بمشتقاتها‭ ‬الأكثر‭ ‬استخدامًا‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬ظهرت‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا،‭ ‬فكان‭ ‬التعليم‭ ‬عن‭ ‬بعد‭ ‬والزيارات‭ ‬عن‭ ‬بعد‭ ‬وحتى‭ ‬الصلاة‭ ‬باتت‭ ‬عن‭ ‬بعد،‭ ‬لتجنب‭ ‬الاختلاط‭ ‬والزحام‭ ‬وكإجراء‭ ‬احترازي‭ ‬من‭ ‬الفيروس‭.‬

أما‭ ‬العمل‭ ‬عن‭ ‬بعد‭ ‬ورغم‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الإجراءات‭ ‬الاحترازية‭ ‬التي‭ ‬صاحبت‭ ‬أزمة‭ ‬كورونا‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬بدا‭ ‬وكأنه‭ ‬هدف‭ ‬لها‭ ‬ضمن‭ ‬توجه‭ ‬عالمي‭ ‬للاعتماد‭ ‬على‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬والابتعاد‭ ‬أكثر‭ ‬وأكثر‭ ‬عن‭ ‬العمالة‭ ‬البشرية‭ ‬لتقليل‭ ‬التكلفة‭ ‬وضمان‭ ‬الجودة‭ ‬والدقة‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬أصحاب‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭.‬

آدم‭ ‬ماكهيل،‭ ‬نائب‭ ‬الرئيس‭ ‬الأوروبي‭ ‬لشركة‭ ‬سيسكو‭ (‬وهي‭ ‬شركة‭ ‬تبني‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬تمكن‭ ‬الأشخاص‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬عن‭ ‬بعد‭)‬،‭ ‬أكد‭ ‬أن‭ ‬حركة‭ ‬الإنترنت‭ ‬زادت‭ ‬بمعدل‭ ‬كبير،‭ ‬حيث‭ ‬دفع‭ ‬وباء‭ ‬كورونا‭ ‬لأن‭ ‬تكون‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬لاتصالات‭ ‬النطاق‭ ‬العريض‭ ‬اللاسلكية‭ ‬بنية‭ ‬تحتية‭ ‬وطنية‭ ‬مهمة‭. ‬ولاشك‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الشركات‭ - ‬وكذلك‭ ‬الأفراد‭ - ‬قد‭ ‬حققت‭ ‬أرباحًا‭ ‬خيالية‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬الرقمي،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إنكار‭ ‬وجود‭ ‬ضحايا‭ ‬كثر‭ ‬أيضًا،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬يهم‭ ‬زعماء‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬الخالي‭ ‬من‭ ‬البعد‭ ‬الإنساني‭ ‬تمامًا،‭ ‬وبعيدا‭ ‬عن‭ ‬العواطف‭ ‬الإنسانية‭ ‬فإن‭ ‬الاعتماد‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬يبدو‭ ‬غير‭ ‬مكلف‭ ‬أو‭ ‬أقل‭ ‬كلفة،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬محفوف‭ ‬بمخاطر‭ ‬كبرى‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الخيار‭ ‬خيارا‭ ‬خاطئًا‭ ‬بل‭ ‬وكارثيًا‭.‬

فقد‭ ‬تزامنت‭ ‬قراءتي‭ ‬لموضوع‭ ‬عن‭ ‬مستقبل‭ ‬العمل‭ ‬عن‭ ‬بعد‭ ‬وآفاقه‭ ‬بفضل‭ ‬الابتكار‭ ‬الرقمي،‭ ‬مع‭ ‬موضوع‭ ‬آخر‭ ‬يفيد‭ ‬بتعرض‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المواقع‭ ‬الإلكترونية‭ ‬لشركات‭ ‬طيران‭ ‬وبنوك‭ ‬وشركات‭ ‬تكنولوجيا،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬دلتا‭ ‬إيرلاينز‭ ‬وكوستكو‭ ‬هول‭ ‬سايل‭ ‬وأميركان‭ ‬إكسبريس،‭ ‬لانقطاعات‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬الخدمة،‭ ‬في‭ ‬واقعة‭ ‬هي‭ ‬الثالثة‭ ‬من‭ ‬نوعها‭ ‬خلال‭ ‬شهرين،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬شهدت‭ ‬مواقع‭ ‬للتواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ومواقع‭ ‬حكومية‭ ‬وإخبارية‭ ‬على‭ ‬الإنترنت‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬انقطاعات‭ ‬في‭ ‬الخدمة‭ ‬في‭ ‬يونيو،‭ ‬وأشارت‭ ‬بعض‭ ‬التقارير‭ ‬حينها‭ ‬إلى‭ ‬خلل‭ ‬فني‭ ‬في‭ ‬شركة‭ ‬“فاستلي”‭ ‬المزودة‭ ‬لخدمات‭ ‬خوادم‭ ‬سحابية‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬مئات‭ ‬الأخبار‭ ‬عن‭ ‬التجسس‭ ‬وغيرها‭ ‬التي‭ ‬تؤكد‭ ‬إمكانية‭ ‬تعرض‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬لخسائر‭ ‬طائلة‭ ‬في‭ ‬دقائق‭ ‬معدودة‭ ‬تفوق‭ ‬كثيرا‭ ‬تكلفة‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬العمالة‭ ‬البشرية‭.‬