التنظيمات السرية لعبد الناصر

| رضي السماك

بالرغم‭ ‬من‭ ‬كثرة‭ ‬الدراسات‭ ‬التي‭ ‬تناولت‭ ‬حياة‭ ‬الرئيس‭ ‬المصري‭ ‬الأسبق‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬السياسية‭ ‬ودوره‭ ‬المحوري‭ ‬في‭ ‬قيادة‭ ‬ثورة‭ ‬23‭ ‬يوليو‭ ‬1952،‭ ‬فلعل‭ ‬القليل‭ ‬منها‭ - ‬إنْ‭ ‬يوجد‭ - ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬توقف‭ ‬طويلاً‭ ‬أمام‭ ‬مغزى‭ ‬نجاحه‭ ‬بمفرده‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬وبناء‭ ‬تنظيم‭ ‬سري‭ ‬عُرف‭ ‬بـ‭ ‬“تنظيم‭ ‬الضباط‭ ‬الأحرار”‭ ‬والذي‭ ‬قاد‭ ‬عملية‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬فجر‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم،‭ ‬وعلى‭ ‬عكس‭ ‬الانقلابات‭ ‬العسكرية‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬نفذتها‭ ‬أحزاب‭ ‬متمرسة‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬التنظيمي‭ ‬السري،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬والسودان،‭ ‬فلم‭ ‬تكن‭ ‬لعبدالناصر‭ ‬قبل‭ ‬تنظيم‭ ‬“الضباط‭ ‬الأحرار”‭ ‬أية‭ ‬خبرة‭ ‬قيادية‭ ‬تنظيمية‭ ‬سرية‭ ‬سابقة،‭ ‬بل‭ ‬لم‭ ‬ينتم‭ ‬أصلاً‭ ‬للأحزاب‭ ‬القائمة؛‭ ‬السرية‭ ‬منها‭ ‬والعلنية،‭ ‬باستثناء‭ ‬انضمامه‭ ‬القصير‭ ‬للإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الاستكشاف‭. ‬لكن‭ ‬عبدالناصر‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬دور‭ ‬تنظيم‭ ‬الضباط‭ ‬الأحرار‭ ‬السري‭ ‬شعر‭ ‬بالحاجة‭ ‬في‭ ‬الستينيات‭ ‬إلى‭ ‬تنظيمين‭ ‬سريين‭ ‬وهو‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬السلطة‭ ‬وفي‭ ‬ذروة‭ ‬شعبيته‭ ‬الداخلية‭ ‬والعربية‭: ‬الأول‭ ‬تنظيم‭ ‬“طليعة‭ ‬الاشتراكيين”‭ ‬وقد‭ ‬أسسه‭ ‬عام‭ ‬1963‭ ‬كجناح‭ ‬سري‭ ‬داخل‭ ‬حزبه‭ ‬الحاكم‭ ‬“الاتحاد‭ ‬الاشتراكي”،‭ ‬وضم‭ ‬في‭ ‬صفوفه‭ ‬أعضاء‭ ‬من‭  ‬اليسار‭ ‬الناصري‭ ‬وماركسيين‭ ‬أفرج‭ ‬عنهم‭ ‬عام‭ ‬1964،‭ ‬والثاني‭ ‬تنظيم‭ ‬“الطليعة‭ ‬العربية”‭ ‬وقد‭ ‬أسسه‭ ‬عام‭ ‬1965‭ ‬باقتراح‭ ‬من‭ ‬فتحي‭ ‬الديب،‭ ‬رئيس‭ ‬دائرة‭ ‬الشؤون‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬المخابرات‭ ‬العامة‭ ‬المصرية،‭ ‬وكانت‭ ‬العضوية‭ ‬فيه‭ ‬مفتوحة‭ ‬للمصريين‭ ‬والعرب‭ ‬وفق‭ ‬شروط‭ ‬محددة‭.‬

ولئن‭ ‬استمر‭ ‬الأول‭ ‬حتى‭ ‬1971‭ ‬غداة‭ ‬تولي‭ ‬أنور‭ ‬السادات‭ ‬السلطة‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬عبدالناصر‭ ‬في‭ ‬1970،‭ ‬فإن‭ ‬الثاني‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬البقاء‭ ‬حتى‭ ‬1986،‭ ‬واستطاع‭ ‬كتنظيم‭ ‬قومي‭ ‬أن‭ ‬يبني‭ ‬له‭ ‬فروعاً‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬ولبنان‭ ‬وفلسطين‭ ‬وسوريا‭ ‬وليبيا‭ ‬والخليج،‭ ‬وشكلت‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬الفروع‭ ‬لاحقاً‭ ‬نواة‭ ‬أحزاب‭ ‬ناصرية‭ ‬مازالت‭ ‬قائمة‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬واليمن‭ ‬لكنها‭ ‬ضعيفة،‭ ‬والحال‭ ‬فإن‭ ‬كلا‭ ‬التنظيمين‭ -‬الطليعة‭ ‬الاشتراكية‭ ‬والطليعة‭ ‬العربية‭ - ‬أخفقا‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬المرجوة‭ ‬منهما،‭ ‬وتكشّف‭ ‬هذا‭ ‬الفشل‭ ‬بعد‭ ‬هزيمة‭ ‬1967‭ ‬التي‭ ‬قصمت‭ ‬ظهر‭ ‬عبدالناصر‭ ‬وأفضت‭ ‬إلى‭ ‬رحيله‭ ‬المباغت‭ ‬ومجيء‭ ‬خلفه‭ ‬السادات‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬واقعاً‭ ‬يؤمن‭ ‬بمبادئ‭ ‬الأول،‭ ‬وعلى‭ ‬رأس‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬لذلك‭ ‬الإخفاق؛‭ ‬تغييب‭ ‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬التنظيمين‭.‬