لمحات

في ذكرى السفر

| د.علي الصايغ

كانت‭ ‬آخر‭ ‬رحلة‭ ‬سفر‭ ‬لي‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يشتد‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬ويصيب‭ ‬رحلات‭ ‬السفر‭ ‬في‭ ‬مقتل‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬مارس‭ ‬بالتحديد،‭ ‬وذلك‭ ‬بغية‭ ‬مناقشة‭ ‬رسالة‭ ‬الدكتوراه،‭ ‬وقد‭ ‬حذرني‭ ‬الغالبية‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬أسافر‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الظروف‭ ‬الصحية‭ ‬المتردية‭ ‬بسبب‭ ‬بدء‭ ‬انتشار‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ (‬كوفيد‭ ‬19‭)‬،‭ ‬لكنني‭ ‬أصريت‭ ‬على‭ ‬الذهاب،‭ ‬وإتمام‭ ‬المناقشة‭ ‬رغم‭ ‬المخاطر‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تعتريها‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة،‭ ‬والغموض‭ ‬الذي‭ ‬يكتنف‭ ‬الفيروس‭ ‬وخطره،‭ ‬ومستقبل‭ ‬انتشاره‭ ‬من‭ ‬عدمه‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬ومدى‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬احتوائه‭.‬

لزمت‭ ‬السكن‭ ‬الخاص،‭ ‬ولم‭ ‬أكن‭ ‬أخرج‭ ‬إلا‭ ‬للضرورة‭ ‬القصوى،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أتممت‭ ‬الإجراءات‭ ‬اللازمة،‭ ‬وناقشت،‭ ‬ونلت‭ ‬الدرجة‭ ‬العلمية‭ ‬التي‭ ‬كنت‭ ‬أسعى‭ ‬للحصول‭ ‬عليها،‭ ‬وقد‭ ‬سبقتها‭ ‬بأشهر‭ ‬رحلة‭ ‬سياحية‭ ‬إلى‭ ‬إحدى‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية؛‭ ‬الرحلات‭ ‬السياحية‭ ‬التي‭ ‬نفتقدها‭ ‬اليوم‭ ‬لقضاء‭ ‬أوقات‭ ‬ممتعة‭ ‬مع‭ ‬العائلة،‭ ‬والاستمتاع‭ ‬بقسط‭ ‬من‭ ‬الراحة‭ ‬والاستجمام‭ ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬مليء‭ ‬بالعمل،‭ ‬وذلك‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يظهر‭ ‬الفيروس‭ ‬اللعين‭. ‬

إن‭ ‬ما‭ ‬يدعو‭ ‬حقيقة‭ ‬إلى‭ ‬الاستغراب‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬هو‭ ‬الاختلاف‭ ‬التام‭ ‬في‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬الرحلات‭ ‬بغرض‭ ‬السياحة؛‭ ‬فهناك‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يبالي‭ ‬تماماً،‭ ‬ويجد‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬مانع‭ ‬من‭ ‬السفر،‭ ‬مادام‭ ‬الشخص‭ ‬يلتزم‭ ‬بالاحترازات‭ ‬الصحية،‭ ‬ويتبع‭ ‬التعليمات،‭ ‬ويحافظ‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬ومن‭ ‬حوله،‭ ‬بينما‭ ‬يعتبر‭ ‬آخرون‭ ‬أن‭ ‬السفر‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي‭ ‬بمثابة‭ ‬مُخاطرة‭ ‬كبيرة،‭ ‬قد‭ ‬تتسبب‭ ‬بالإصابة‭ ‬بالفيروس،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أقعد‭ ‬الملايين‭ ‬في‭ ‬ديارهم،‭ ‬فلم‭ ‬يشدوا‭ ‬الرحال‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬منذ‭ ‬بدء‭ ‬الجائحة،‭ ‬رغم‭ ‬بعض‭ ‬التطمينات،‭ ‬وشبه‭ ‬مأمونية‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬السفر‭ ‬إليها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعلنا‭ ‬أمام‭ ‬اختلاف‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬والمنظور،‭ ‬لا‭ ‬يوضح‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬أيهما‭ ‬أصح‭ ‬قراراً،‭ ‬وأقوى‭ ‬حجةً،‭ ‬لكن‭ ‬يبقى‭ ‬السفر‭ - ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭ - ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬اللحظات‭ ‬التي‭ ‬ننتظر‭ ‬عودتها‭ - ‬نحن‭ ‬المعتقدين‭ ‬بخطره‭ ‬الراهن‭ - ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ينتهي‭ ‬هذا‭ ‬الكابوس‭ ‬المسمى‭ (‬كوفيد‭ ‬19‭)‬،‭ ‬والذي‭ ‬بات‭ ‬يجثم‭ ‬على‭ ‬حياتنا‭ ‬ويقيد‭ ‬حريتنا‭.‬