زبدة القول

الاحتباس الحراري وكوارث العالم

| د. بثينة خليفة قاسم

خلال‭ ‬ساعتين‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬تحولت‭ ‬أجزاء‭ ‬من‭ ‬ألمانيا‭ ‬وبلجيكا‭ ‬إلى‭ ‬بحار‭ ‬أغرقت‭ ‬البيوت‭ ‬والسيارات،‭ ‬وقتلت‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬‮٢٠٠‬‭ ‬شخص،‭ ‬وجعلت‭ ‬الآلاف‭ ‬في‭ ‬عداد‭ ‬المفقودين‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭. ‬وقدرت‭ ‬المؤسسات‭ ‬العاملة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬المناخ‭ ‬أن‭ ‬الأمطار‭ ‬التي‭ ‬سقطت‭ ‬وجرفت‭ ‬المنازل‭ ‬ودمرت‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭ ‬خلال‭ ‬ساعتين‭ ‬هي‭ ‬أمطار‭ ‬شهرين‭ ‬وليس‭ ‬ساعتين،‭ ‬بمعنى‭ ‬أنه‭ ‬خلال‭ ‬ساعتين‭ ‬فقط‭ ‬سقطت‭ ‬كمية‭ ‬أمطار‭ ‬لا‭ ‬تسقط‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬شهرين‭ ‬طبقا‭ ‬لمقاييس‭ ‬سابقة‭.‬

وقد‭ ‬ربط‭ ‬الباحثون‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬المناخ‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الأمطار‭ ‬المدمرة‭ ‬وبين‭ ‬زيادة‭ ‬درجة‭ ‬حرارة‭ ‬العالم‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالاحتباس‭ ‬الحراري‭.‬

والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬بلايا‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬نعيش‭ ‬فيه‭ ‬ترتبط‭ ‬بالانبعاثات‭ ‬التي‭ ‬تطلقها‭ ‬مصانع‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬والشركات‭ ‬العملاقة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنظر‭ ‬لشيء‭ ‬سوى‭ ‬الكسب‭ ‬مهما‭ ‬أدى‭ ‬هذا‭ ‬الكسب‭ ‬إلى‭ ‬خراب‭ ‬العالم‭.‬

لا‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الأمطار‭ ‬والفيضانات‭ ‬وغرق‭ ‬مناطق‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬الكارثة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬سيتعرض‭ ‬لها‭ ‬العالم‭ ‬بسبب‭ ‬الاحتباس‭ ‬الحراري،‭ ‬لكن‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الكوارث‭ ‬الممتدة‭ ‬التي‭ ‬نعيش‭ ‬فيها‭ ‬حاليا‭ ‬وأولها‭ ‬كارثة‭ ‬كورونا‭ ‬هي‭ ‬بسبب‭ ‬الإصرار‭ ‬على‭ ‬تدمير‭ ‬الطبيعة‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الثروات‭ ‬والكسب‭ ‬المادي‭ ‬بكل‭ ‬السبل‭. ‬اليوم‭ ‬كورونا،‭ ‬ولا‭ ‬يعلم‭ ‬إلا‭ ‬الله‭ ‬هل‭ ‬ستنتهي‭ ‬هذه‭ ‬الكارثة‭ ‬أم‭ ‬لا،‭ ‬ومتى‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬ذلك،‭ ‬وغدا‭ ‬ستأتي‭ ‬أمراض‭ ‬أخرى،‭ ‬وربما‭ ‬يحدث‭ ‬ذلك‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتمكن‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الوباء‭ ‬الحالي‭.‬

الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬تتحدث‭ ‬طوال‭ ‬الوقت‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬وتتجاهل‭ ‬حق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬دون‭ ‬أمراض‭ ‬ودون‭ ‬خوف‭ ‬ورعب‭ ‬كالذي‭ ‬عاشه‭ ‬العالم‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬كورونا‭.‬

المتحكمون‭ ‬في‭ ‬مقدرات‭ ‬العالم‭ ‬يعجزون‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬عن‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تخفيض‭ ‬الانبعاثات‭ ‬الضارة‭ ‬التي‭ ‬تدمر‭ ‬العالم،‭ ‬لأنهم‭ ‬لا‭ ‬يفكرون‭ ‬سوى‭ ‬في‭ ‬مصالحهم‭ ‬ومكاسبهم‭ ‬المادية‭ ‬مهما‭ ‬تزلزلت‭ ‬أركان‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬نعيش‭ ‬فيه‭.‬