سوالف

“ندخل نصرخ إنها الحياة.. نخرج نصرخ إنه الموت”

| أسامة الماجد

الموت‭ ‬والفناء‭ ‬يترصدنا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬خطوة‭ ‬من‭ ‬خطواتنا،‭ ‬وكما‭ ‬يصف‭ ‬الفلاسفة‭ ‬الوجوديون‭ ‬بأننا‭ ‬نحمل‭ ‬موتنا‭ ‬داخل‭ ‬أنفسنا،‭ ‬كما‭ ‬تحمل‭ ‬الأم‭ ‬جنينها‭ ‬داخل‭ ‬أحشائها،‭ ‬ومنذ‭ ‬أن‭ ‬يولد‭ ‬الإنسان‭ ‬يكون‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬شيخوخة‭ ‬الموت،‭ ‬ولكل‭ ‬أديب‭ ‬ومفكر‭ ‬وفنان‭ ‬نظرة‭ ‬خاصة‭ ‬عن‭ ‬الموت‭ ‬كل‭ ‬حسب‭ ‬فهمه‭ ‬وفلسفته،‭ ‬لكن‭ ‬أجمل‭ ‬ما‭ ‬قرأت‭ ‬عن‭ ‬وصف‭ ‬وتخيل‭ ‬الموت‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬عبقري‭ ‬المسرح‭ ‬العظيم‭ ‬الفرنسي‭ ‬“يوجين‭ ‬يونيسكو”‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬مقابلاته‭.‬

يقول‭ ‬“يونيسكو”‭ ‬“لقد‭ ‬وصفت‭ ‬ما‭ ‬أحس‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬انفعال‭ ‬عندما‭ ‬أشهد‭ ‬الجنازات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تمر‭ ‬تحت‭ ‬بيتنا‭ ‬وكيف‭ ‬كنت‭ ‬أسأل‭ ‬أمي‭.. ‬ماذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬يموت‭ ‬إنسان‭. ‬فكانت‭ ‬تجيبني‭ ‬بقولها‭: ‬يموت‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬مريضا،‭ ‬وفهمت‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬يموت‭ ‬لأن‭ ‬حادثا‭ ‬يقع‭ ‬له،‭ ‬وأن‭ ‬الموت‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬حادث،‭ ‬وظننت‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬ينجو‭ ‬من‭ ‬الموت،‭ ‬لو‭ ‬اعتنى‭ ‬بصحته،‭ ‬وتجنب‭ ‬السيارات،‭ ‬واعتنى‭ ‬بتغطية‭ ‬نفسه،‭ ‬لكنني‭ ‬كطفل‭ ‬اكتشفت‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬يشيخ‭ ‬أيضا،‭ ‬وتخيلت‭ ‬الإنسان‭ ‬يكبر‭ ‬ثم‭ ‬ينحني‭ ‬وأن‭ ‬ذقنه‭ ‬يبيض‭ ‬ويشتد‭ ‬بياضا،‭ ‬وأنه‭ ‬يزداد‭ ‬انحناء‭ ‬يوما‭ ‬بعد‭ ‬يوم،‭ ‬فكنت‭ ‬أصيح‭ ‬في‭ ‬نفسي‭: ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬مستحيل‭.‬

وذات‭ ‬يوم،‭ ‬صحت‭ ‬في‭ ‬أمي‭ ‬قائلا‭.. ‬قولي‭ ‬الحقيقة؟‭ ‬هل‭ ‬نموت‭ ‬جميعا‭ ‬وأجابتني‭ ‬بالإيجاب،‭ ‬مازلت‭ ‬أذكر‭ ‬هذا‭ ‬المنظر‭.. ‬كنت‭ ‬في‭ ‬الخامسة‭ ‬أو‭ ‬أكاد،‭ ‬وكنت‭ ‬جالسا‭ ‬القرفصاء‭. ‬وكانت‭ ‬تقف‭ ‬أمامي،‭ ‬وقد‭ ‬أسندت‭ ‬يديها‭ ‬وراء‭ ‬ظهرها‭ ‬واستندت‭ ‬على‭ ‬الحائط،‭ ‬ووقفت‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تفعل‭ ‬لي‭ ‬شيئا‭.. ‬لأنني‭ ‬انفجرت‭ ‬باکیا،‭ ‬لقد‭ ‬أصابني‭ ‬خوف‭ ‬فظيع،‭ ‬سوف‭ ‬تموت‭ ‬أمي‭ ‬كذلك،‭ ‬سوف‭ ‬أفقدها،‭ ‬لكن‭ ‬فجأة‭ ‬بدأت‭ ‬الأفكار‭ ‬تخف‭ ‬عندما‭ ‬ابتعدت‭ ‬عن‭ ‬أمي،‭ ‬وعشت‭ ‬في‭ ‬الريف،‭ ‬سنوات‭ ‬ثلاث‭.‬‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬وكنوع‭ ‬من‭ ‬الهروب‭ ‬من‭ ‬القلق‭ ‬قررت‭ ‬أن‭ ‬أعيش‭ ‬حاضري‭ ‬ويومي‭ ‬فقط،‭ ‬واملأ‭ ‬يومي‭ ‬بالشوق‭ ‬والبهجة‭.‬

وليس‭ ‬هناك‭ ‬أروع‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المقولة‭ ‬التي‭ ‬وجدت‭ ‬منحوتة‭ ‬أسفل‭ ‬آنية‭ ‬قديمة‭ ‬“ندخل،‭ ‬نصرخ‭.. ‬إنها‭ ‬الحياة،‭ ‬نخرج،‭ ‬نصرخ‭.. ‬إنه‭ ‬الموت”‭.‬