بين حاجتي التنبيه والتحفيز

| عباس العمران

يقولُ‭ ‬العلماء‭ ‬إن‭ ‬سلوك‭ ‬الإنسان‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬نتيجة‭ ‬محفز‭ ‬أو‭ ‬نتيجة‭ ‬منبه‭ ‬أو‭ ‬نتيجة‭ ‬الأمرين‭ ‬معاً،‭ ‬وهذا‭ ‬ينطبقُ‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬أنواع‭ ‬السلوك‭ ‬والعادات‭ ‬الجيدة‭ ‬وغيرها،‭ ‬فمنبه‭ ‬الجوع‭ ‬مثلا‭ ‬يدفعنا‭ ‬إلى‭ ‬الطعام،‭ ‬ومحفز‭ ‬المكافأة‭ ‬يدفعنا‭ ‬إلى‭ ‬الإبداع‭ ‬في‭ ‬عملنا‭ ‬لكي‭ ‬نحصل‭ ‬على‭ ‬التقدير،‭ ‬وهكذا‭ ‬دواليك‭.‬

يزدحمُ‭ ‬عالم‭ ‬اليوم‭ ‬بالأعمال‭ ‬ومؤسساته‭ ‬والكيانات‭ ‬الاستثمارية‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬بين‭ ‬جناحيها‭ ‬موظفين‭ ‬متعددي‭ ‬القدرات‭ ‬والطاقات‭ ‬والمؤهلات،‭ ‬ويسعى‭ ‬رجل‭ ‬الأعمال‭ ‬والمستثمر‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد‭ ‬إلى‭ ‬جعل‭ ‬قيادة‭ ‬المؤسسة‭ ‬في‭ ‬أيدٍ‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬ضبط‭ ‬إيقاع‭ ‬حاجتي‭ ‬التنبيه‭ ‬والتحفيز‭ ‬ضمن‭ ‬حدود‭ ‬المؤسسة،‭ ‬مدركين‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬بمقدور‭ ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬القيام‭ ‬بهذه‭ ‬المهمة،‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تتطلب‭ ‬المؤهلات‭ ‬المهنية‭ ‬فحسب؛‭ ‬بل‭ ‬المؤهلات‭ ‬الشخصية‭ ‬كذلك‭.‬

ولعل‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬المهارات‭ ‬التي‭ ‬ينبغي‭ ‬وجودها‭ ‬في‭ ‬مديري‭ ‬المؤسسات‭ ‬هي‭ ‬اللباقة‭ ‬اللفظية‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬المفردات‭ ‬المستعملة‭ ‬في‭ ‬التعاملات‭ ‬اليومية‭ ‬مع‭ ‬فريق‭ ‬الموظفين،‭ ‬وقد‭ ‬اختصرها‭ ‬الكاتب‭ ‬جيمس‭ ‬ديتيرت‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬هارفرد‭ ‬للأعمال،‭ ‬في‭ ‬مقاله‭ ‬“كلمات‭ ‬وعبارات‭ ‬لا‭ ‬تقلها‭ ‬في‭ ‬حديثك”‭. ‬ومنها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭: ‬أن‭ ‬المدير‭ ‬الناجح‭ ‬لا‭ ‬يخبر‭ ‬الآخرين‭ ‬بما‭ ‬يجب‭ ‬عليهم‭ ‬فعله‭ ‬حرفياً،‭ ‬فإملاء‭ ‬الأوامر‭ ‬بدقة‭ ‬يقتل‭ ‬الإبداع،‭ ‬ويحصر‭ ‬طاقة‭ ‬الموظف‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬طُلب‭ ‬منه‭ ‬فقط،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬موظف‭ ‬لديه‭ ‬طاقة‭ ‬إبداعية‭ ‬لا‭ ‬تحدها‭ ‬حدود‭ ‬المدير،‭ ‬فميدان‭ ‬الإبداع‭ ‬رحب‭ ‬فسيح،‭ ‬ومن‭ ‬غير‭ ‬المنطقي‭ ‬تحجيمه‭ ‬وحصره،‭ ‬فالنجاح‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬فتح‭ ‬باب‭ ‬الإبداع‭ ‬على‭ ‬مصراعيه،‭ ‬وإطلاق‭ ‬الحدود،‭ ‬وفتح‭ ‬جميع‭ ‬الدروب‭ ‬للتحليق،‭ ‬وبعدها‭ ‬تأتي‭ ‬النتائج‭ ‬المبهرة‭.‬

ومنها‭ ‬ألا‭ ‬تبرّر‭ ‬للآخرين‭ ‬مشاعرك،‭ ‬فالغضب‭ ‬الذي‭ ‬تشعر‭ ‬به‭ ‬لا‭ ‬يلزمك‭ ‬تفسيره،‭ ‬وبيان‭ ‬سببه،‭ ‬والأهم‭ ‬منه‭ ‬ألا‭ ‬تُظهره‭ ‬للموظفين‭ ‬لديك،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬الأسباب‭ ‬غير‭ ‬متصلة‭ ‬بالعمل،‭ ‬فمبالغتك‭ ‬في‭ ‬ردة‭ ‬فعلك‭ ‬تجاه‭ ‬أمر‭ ‬ما،‭ ‬وإبداء‭ ‬غضبك‭ ‬تجاهه‭ ‬قد‭ ‬يربك‭ ‬العمل‭ ‬لديك،‭ ‬ويخلق‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالتنبيهات‭ ‬الخاطئة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬سلوك‭ ‬خاطئ،‭ ‬وتضعف‭ ‬أداء‭ ‬الموظفين،‭ ‬وهذا‭ ‬كله‭ ‬لا‭ ‬يعود‭ ‬على‭ ‬المؤسسة‭ ‬بخير‭. ‬والأمر‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬لو‭ ‬فصل‭ ‬المدير‭ ‬بين‭ ‬مؤسسته‭ ‬وبين‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬خلفها،‭ ‬وجعل‭ ‬بينهما‭ ‬حاجزا،‭ ‬ولم‭ ‬يظهر‭ ‬مشاعره‭ ‬السلبية‭ ‬لموظفيه،‭ ‬فسيعم‭ ‬المؤسسة‭ ‬الهدوء،‭ ‬وهذا‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬يؤثر‭ ‬في‭ ‬الأداء‭ ‬العام‭ ‬لها،‭ ‬وهو‭ ‬أحد‭ ‬أسباب‭ ‬نجاح‭ ‬المدير‭ ‬ونجاح‭ ‬المؤسسة‭.‬

السؤال‭ ‬هنا‭: ‬كم‭ ‬من‭ ‬المديرين‭ ‬في‭ ‬مؤسساتنا‭ ‬لديهم‭ ‬هذه‭ ‬المهارات‭ ‬الضرورية؟‭ ‬وكم‭ ‬منهم‭ ‬يعي‭ ‬أهمية‭ ‬ذلك‭ ‬ويطبقه؟‭ ‬هل‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬نحتاج‭ ‬إليه‭ ‬هو‭ ‬تدريب‭ ‬المديرين‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬تدريب‭ ‬الموظفين؟‭ ‬بالطبع‭ ‬هو‭ ‬كذلك‭.‬