ياسمينيات

أفشوا السلام

| ياسمين خلف

منصور،‭ ‬وعلي،‭ ‬ومرتضى‭ ‬زملائي‭ ‬في‭ ‬العمل،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬مكاتبهم‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬مستقيم‭ ‬واحد،‭ ‬ومتجاورون‭ ‬باستثناء‭ ‬حاجز‭ ‬خشبي‭ ‬منخفض‭ ‬بين‭ ‬منصور‭ ‬ومرتضى،‭ ‬إلا‭ ‬أنهم‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬صباح‭ ‬يلقون‭ ‬التحية‭ ‬على‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض،‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كانوا‭ ‬في‭ ‬سفر‭ ‬طويل‭ ‬وعادوا‭ ‬منه‭ ‬لتوهم،‭ ‬الأمر‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬يبدو‭ ‬للبعض‭ ‬مضحكاً،‭ ‬فالوجوه‭ ‬ترى‭ ‬ذات‭ ‬الوجوه‭ ‬يومياً،‭ ‬وإلقاء‭ ‬التحية‭ ‬عبر‭ ‬سلام‭ ‬عابر‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬كافياً،‭ ‬إلا‭ ‬أنهم‭ ‬جميعاً‭ ‬لم‭ ‬يتخلوا‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬العادة‭ ‬وفضلوا‭ ‬إفشاء‭ ‬السلام‭ ‬ابتداءً‭ ‬للجميع،‭ ‬والتحية‭ ‬الخاصة‭ ‬بهم‭ ‬ثانياً،‭ ‬لولا‭ ‬انتشار‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ (‬كوفيد‭ ‬19‭) ‬الذي‭ ‬حرمهم‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬العادة،‭ ‬وهم‭ ‬على‭ ‬نقيض‭ ‬كُثر‭ ‬تلقي‭ ‬التحية‭ ‬والسلام‭ ‬عليهم،‭ ‬فإما‭ ‬ردوها‭ ‬وبأقل‭ ‬منها،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬لم‭ ‬يكلفوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬عناء‭ ‬الرد‭!‬

المغزى‭ ‬من‭ ‬السلام‭ ‬هو‭ ‬إعلان‭ ‬حُسن‭ ‬النية،‭ ‬بل‭ ‬وحُسن‭ ‬السريرة،‭ ‬وإعلان‭ ‬حالة‭ ‬نقيض‭ ‬الحرب‭ ‬والعداوة،‭ ‬فالسلام‭ ‬يعني‭ ‬الأمان‭ ‬والصلح،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬تحملهما‭ ‬الطمأنينة‭ ‬والهدوء‭ ‬من‭ ‬معنى،‭ ‬فهي‭ ‬تحية‭ ‬أهل‭ ‬الجنة،‭ ‬بل‭ ‬والجنة‭ ‬ذاتها‭ ‬التي‭ ‬وعد‭ ‬الله‭ ‬بها‭ ‬عباده‭ ‬الصالحين‭ ‬حتى‭ ‬أطلق‭ ‬الله‭ ‬جل‭ ‬جلاله‭ ‬عليها‭ ‬“دار‭ ‬السلام”،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬أعظم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬كونها‭ ‬أحد‭ ‬أسمائه‭ ‬الحسنى،‭ ‬وإحدى‭ ‬صفاته‭.‬

حقيقة،‭ ‬من‭ ‬المعيب‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬ما‭ ‬تربينا‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬تُصادف‭ ‬أحدهم‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تُلقي‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬والتحية،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬المخزي‭ ‬أن‭ ‬تدخل‭ ‬مكاناً‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تفشي‭ ‬السلام‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬فيه،‭ ‬وكم‭ ‬أستغرب‭ ‬من‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يعيرون‭ ‬الأمر‭ ‬أهمية،‭ ‬بل‭ ‬ويترفعون‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬السلوك‭ ‬رغم‭ ‬أنهم‭ ‬بالغون‭ ‬ولم‭ ‬يعدوا‭ ‬أطفالاً‭ ‬نعلمهم‭ ‬أثر‭ ‬هذا‭ ‬السلوك‭ ‬وأهميته،‭ ‬فحتى‭ ‬الأطفال‭ ‬ومنذ‭ ‬سني‭ ‬عمرهم‭ ‬الأولى‭ ‬نحفزهم‭ ‬وندفعهم‭ ‬إلى‭ ‬إلقاء‭ ‬السلام‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬مجلس‭ ‬يدخلونه‭ ‬كونها‭ ‬من‭ ‬عاداتنا‭ ‬وتقاليدنا‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬تعاليمنا‭ ‬الإسلامية‭.‬

سبحان‭ ‬الله،‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬تلقي‭ ‬عليك‭ ‬السلام‭ ‬من‭ ‬أحدهم،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بينك‭ ‬وبينه‭ ‬معرفة،‭ ‬حتى‭ ‬استشعرت‭ ‬بألفته‭ ‬وسماحته‭ ‬وتهذبه،‭ ‬على‭ ‬النقيض‭ ‬منه‭ ‬لو‭ ‬مر‭ ‬عليك‭ ‬من‭ ‬تعرفه‭ ‬وتهاون‭ ‬في‭ ‬إلقاء‭ ‬السلام،‭ ‬فيتبادر‭ ‬إلى‭ ‬نفسك‭ ‬أن‭ ‬تجاهله‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬إلا‭ ‬لشيء‭ ‬في‭ ‬نفسه‭.‬

 

ياسمينة‭:

‬لا‭ ‬تكن‭ ‬بخيلاً،‭ ‬وأفش‭ ‬السلام‭.‬