مصائب قوم

| زهير توفيقي

“مصائب‭ ‬قوم‭ ‬عند‭ ‬قوم‭ ‬فوائد”‭ ‬مقولة‭ ‬للشاعر‭ ‬الكبير‭ ‬المتنبي،‭ ‬كان‭ ‬يمدح‭ ‬بها‭ ‬سيف‭ ‬الدولة‭ ‬أبي‭ ‬حمدان،‭ ‬وتنطبق‭ ‬هذه‭ ‬المقولة‭ ‬على‭ ‬التقارير‭ ‬التي‭ ‬تناولتها‭ ‬الصحف‭ ‬البريطانية‭ ‬عن‭ ‬جمع‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬‮٢٤‬‭ ‬ألف‭ ‬جنيه‭ ‬إسترليني‭ ‬لتلك‭ ‬الفتاة‭ ‬الألمانية‭ ‬الصغيرة‭ ‬التي‭ ‬بكت‭ ‬كثيرًا‭ ‬بعد‭ ‬خسارة‭ ‬مباراة‭ ‬منتخب‭ ‬بلادها‭ ‬أمام‭ ‬المنتخب‭ ‬الإنجليزي‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مباريات‭ ‬بطولة‭ ‬كأس‭ ‬أوروبا‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬الجمهور‭ ‬الإنجليزي‭ ‬من‭ ‬صيحات‭ ‬ساخرة‭ ‬تجاه‭ ‬هذه‭ ‬الطفلة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أظهر‭ ‬المخرج‭ ‬مشهد‭ ‬هذه‭ ‬المشجعة‭ ‬الصغيرة‭ ‬على‭ ‬لوحة‭ ‬النتائج‭ ‬في‭ ‬الملعب‭.‬

فقد‭ ‬نقل‭ ‬موقع‭  ‬give me sportأن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المباراة‭ ‬دفع‭ ‬شخصًا‭ ‬إلى‭ ‬القيام‭ ‬بحملة‭ ‬لجمع‭ ‬التبرعات‭ ‬لصالح‭ ‬هذه‭ ‬الطفلة‭ ‬وذلك‭ ‬للتأكيد‭ ‬بأنه‭ ‬ليس‭ ‬جميع‭ ‬البريطانيين‭ ‬سيئين،‭ ‬والمفاجأة‭ ‬كانت‭ ‬غير‭ ‬متوقعة،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬الهدف‭ ‬كان‭ ‬جمع‭ ‬‮٥٠٠‬‭ ‬جنيه،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬عدة‭ ‬أيام‭ ‬فقط‭ ‬شارك‭ ‬‮٢٣٠٠‬‭ ‬شخص‭ ‬وتم‭ ‬جمع‭ ‬‮٢٤‬‭ ‬ألف‭ ‬جنيه‭. ‬

بصراحة‭ ‬أجد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الواقعة‭ ‬تستحق‭ ‬الوقوف‭ ‬عندها،‭ ‬فهي‭ ‬تجسد‭ ‬نقاوة‭ ‬معدن‭ ‬بعض‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يترددون‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬العون‭ ‬اللازم‭ ‬ماديًا‭ ‬كان‭ ‬أم‭ ‬معنويًا،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬ضرب‭ ‬أروع‭ ‬الأمثال‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬المواطنة‭ ‬الصالحة‭ ‬والتأكيد‭ ‬بأن‭ ‬الشعب‭ ‬البريطاني‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يسمح‭ ‬لأي‭ ‬شخص‭ ‬بالمساس‭ ‬بأصالته‭ ‬وتاريخه‭ ‬العريق،‭ ‬والسؤال‭ ‬الذي‭ ‬يطرح‭ ‬نفسه،‭ ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬قام‭ ‬أحد‭ ‬الأشخاص‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬بنفس‭ ‬المبادرة،‭ ‬هل‭ ‬سيلاقي‭ ‬نفس‭ ‬التجاوب؟‭ ‬لا‭ ‬أعتقد‭.‬

ما‭ ‬يهمني‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬هو‭ ‬ضرورة‭ ‬الاقتداء‭ ‬بمثل‭ ‬هذه‭ ‬المبادرات‭ ‬الوطنية‭ ‬الرائعة،‭ ‬ففي‭ ‬مجتمعنا‭ ‬تحدث‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬والممارسات‭ ‬الخاطئة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أفراد‭ ‬أو‭ ‬مجموعات،‭ ‬ولكنهم‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد‭ ‬لا‭ ‬يعتبرون‭ ‬مثالا‭ ‬أو‭ ‬مرآة‭ ‬لنا،‭ ‬بل‭ ‬يعتبرون‭ ‬أناسا‭ ‬يسعون‭ ‬إلى‭ ‬تشويه‭ ‬سمعتنا‭ ‬بسبب‭ ‬الجهل،‭ ‬وأرى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تقصيرا‭ ‬منا‭ ‬كمواطنين‭ ‬ومؤسسات‭ ‬مجتمع‭ ‬مدني‭ ‬في‭ ‬التصدي‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬التصرفات‭ ‬أو‭ ‬السلوكيات‭ ‬المسيئة،‭ ‬وحتى‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الشخصي‭ ‬نرى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الممارسات‭ ‬الخاطئة‭ ‬ولا‭ ‬نكترث‭ ‬بها‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬ننبه‭ ‬لها‭ ‬على‭ ‬أقل‭ ‬تقدير،‭ ‬فقد‭ ‬أصبحنا‭ ‬لا‭ ‬نبالي‭ ‬لشيء‭ ‬ولا‭ ‬نأخذ‭ ‬الأمور‭ ‬على‭ ‬محمل‭ ‬الجد‭!‬

أصبحنا‭ ‬لا‭ ‬نعير‭ ‬أي‭ ‬اهتمام‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬ولا‭ ‬نقوم‭ ‬بتطبيقها،‭ ‬وبالتالي‭ ‬لا‭ ‬تتوارثها‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬لأنها‭ ‬أصبحت‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬الماضي‭. ‬والله‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬القصد‭.‬