ما أنا بقارئ

| هدى حرم

تحثُّهُ‭ ‬فلا‭ ‬يُحث‭ ‬وتستميلهُ‭ ‬ولا‭ ‬يميل،‭ ‬تُغريه‭ ‬بشراءِ‭ ‬الكتب،‭ ‬ولا‭ ‬يشعرُ‭ ‬بالإثارة،‭ ‬هذا‭ ‬الورقُ‭ ‬والحبرُ‭ ‬لا‭ ‬يجذبانه،‭ ‬جيلُ‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬والعولمة‭ ‬لا‭ ‬يُدركُ‭ ‬شعورَ‭ ‬تقليب‭ ‬الورق‭ ‬ورائحةِ‭ ‬الكتاب،‭ ‬“أمةُ‭ ‬اِقرأ‭ ‬لمْ‭ ‬تعُد‭ ‬تقرأ”،‭ ‬والمراجعُ‭ ‬والمجلدات‭ ‬تشكو‭ ‬من‭ ‬العثِّ‭ ‬والبلا‭ ‬داخلَ‭ ‬رُفوفها،‭ ‬وجيلُ‭ ‬ألعاب‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬والموضة‭ ‬لا‭ ‬يُطيق‭ ‬شيئاً‭ ‬اسمهُ‭ ‬القراءة‭ ‬أو‭ ‬تصفح‭ ‬الكتب،‭ ‬زمنُ‭ ‬الهاتف‭ ‬النقال‭ ‬والآيباد،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يعترفُ‭ ‬بالكتاب،‭ ‬ذلك‭ ‬الذي‭ ‬ضمرَ‭ ‬دورهُ‭ ‬وتلاشتْ‭ ‬الحاجةُ‭ ‬إليه،‭ ‬في‭ ‬ظِلِّ‭ ‬ازدحامِ‭ ‬الأندرويد‭ ‬بمئاتِ‭ ‬البرامج‭ ‬والتطبيقات‭ ‬التي‭ ‬أغنت‭ ‬عن‭ ‬الكتاب،‭ ‬بل‭ ‬ولم‭ ‬تدعْ‭ ‬مجالاً‭ ‬لهذا‭ ‬الجيل‭ ‬لتصفحِ‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬أو‭ ‬قراءةِ‭ ‬كتبٍ‭ ‬إلكترونيةٍ‭ ‬حتى‭.‬

يقاومونَ‭ ‬فكرةَ‭ ‬القراءة،‭ ‬كلما‭ ‬حثثتهم‭ ‬على‭ ‬المطالعة‭ ‬وتطوير‭ ‬الذات‭.. ‬هم‭ ‬فقط‭ ‬يأخذونَ‭ ‬المعلومةَ‭ ‬السهلة‭ ‬الميسرة‭ ‬في‭ ‬فيديو،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فيلمٍ‭ ‬ما،‭ ‬وكأنه‭ ‬المنبعُ‭ ‬الأساسُ‭ ‬للمعرفة،‭ ‬تماماً‭ ‬كالأُمّي‭ ‬الجاهلِ‭ ‬بالقراءة‭ ‬والكتابة‭ ‬الذي‭ ‬يتفرجُ‭ ‬في‭ ‬المجلات‭ ‬على‭ ‬الصور‭ ‬لا‭ ‬غير،‭ ‬وهو‭ ‬يدَّعي‭ ‬العلمَ‭ ‬بكل‭ ‬شيء،‭ ‬وقد‭ ‬يرجعُ‭ ‬النفورُ‭ ‬من‭ ‬القراءة‭ ‬لدى‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬لطغيان‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المختلفة‭ ‬على‭ ‬الكتاب،‭ ‬وعدم‭ ‬ترغيب‭ ‬الطفل‭ ‬بالقراءةِ‭ ‬منذ‭ ‬الصغر،‭ ‬وشِبه‭ ‬خُلوِ‭ ‬المناهج‭ ‬المدرسية‭ ‬من‭ ‬القراءةِ‭ ‬المعززة،‭ ‬وصعوبةِ‭ ‬الكتب‭ ‬المدرسية‭ ‬التي‭ ‬تجعلُ‭ ‬الشباب‭ ‬ينصرفون‭ ‬بقوة‭ ‬عن‭ ‬قراءة‭ ‬أي‭ ‬كتابٍ‭ ‬بعد‭ ‬المدرسة،‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬الرفاقُ‭ ‬كذلك‭ ‬عاملاً‭ ‬مُنفراً‭ ‬للفرد‭ ‬من‭ ‬القراءة‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬كان‭ ‬الأصدقاءُ‭ ‬كارهين‭ ‬للكتب‭ ‬ويسخرونَ‭ ‬من‭ ‬كلِ‭ ‬من‭ ‬يقرأ‭.‬

إنَّ‭ ‬كتاباً‭ ‬واحداً‭ ‬نقرؤه‭ ‬بألفٍ‭ ‬من‭ ‬العوالم،‭ ‬يوسع‭ ‬مجالَ‭ ‬الرُؤى‭ ‬ويُحطِّمُ‭ ‬آفاقَ‭ ‬المعرفة،‭ ‬ويجعلُ‭ ‬اندماجنا‭ ‬مع‭ ‬الأشخاص‭ ‬المحيطين‭ ‬بنا‭ ‬والمجتمع‭ ‬الذي‭ ‬نحيا‭ ‬فيه‭ ‬سهلاً‭ ‬يسيراً،‭ ‬ذلك‭ ‬أننا‭ ‬نكتسب‭ ‬الخبرةَ‭ ‬مما‭ ‬نقرأ‭ ‬ونستشعر‭ ‬التجاربَ‭ ‬التي‭ ‬نمرُ‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القراءة‭.. ‬القراءةُ‭ ‬لا‭ ‬تُكسبنا‭ ‬الألفاظ‭ ‬والأفكار‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬تبني‭ ‬شخصياتنا‭ ‬وتُسهم‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬خلق‭ ‬الإنسانِ‭ ‬المتميز‭ ‬والواعي‭ ‬والمثقف،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يشعر‭ ‬بالحرجِ‭ ‬حين‭ ‬يجدُ‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬أمةٍ‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬الذين‭ ‬يخوضون‭ ‬في‭ ‬حواراتِ‭ ‬العقل‭ ‬والمعرفة‭ ‬المختلفة؛‭ ‬فهم‭ ‬على‭ ‬خلافِ‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يقرأ‭ ‬لديهم‭ ‬موضوعات‭ ‬شتى‭ ‬للمناقشة‭ ‬وملءِ‭ ‬الوقت‭ ‬بأمورٍ‭ ‬تعود‭ ‬عليهم‭ ‬بالمنفعة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يُعاني‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يقرأون‭ ‬من‭ ‬حدودِهم‭ ‬الجغرافية‭ ‬والاجتماعيةِ‭ ‬والفكرية‭ ‬الضيقة‭.‬‭ ‬الكتابُ‭ ‬صديقُ‭ ‬المرء‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يخون‭ ‬وأنيسهُ‭ ‬في‭ ‬وِحدته‭ ‬ومُلهمهُ‭ ‬في‭ ‬لحظاتِ‭ ‬إبداعه‭ ‬ومُنقذهُ‭ ‬من‭ ‬الجهلِ‭ ‬والخُرافة‭ ‬والسطحيةِ‭ ‬المُستشرية‭.‬‭ ‬إنَّ‭ ‬عودةَ‭ ‬الأمم‭ ‬للكتاب‭ ‬ضمانٌ‭ ‬لنهضتها‭ ‬وحافزٌ‭ ‬لها‭ ‬على‭ ‬الإبداع‭ ‬والتقدم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مجالات‭ ‬المعرفة‭ ‬ومُهذبٌ‭ ‬لسلوكها‭ ‬ومُقوِّمٌ‭ ‬لأخلاقها،‭ ‬“أفمن‭ ‬يقرأُ‭ ‬كمنْ‭ ‬لا‭ ‬يقرأ؟‭!‬”،‭ ‬بل‭ ‬هم‭ ‬لا‭ ‬يستوون‭.‬