الفريق الوطني.. شكرًا

| د. عبدالله الحواج

رغم‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬جائحة‭ ‬تتحور،‭ ‬وباء‭ ‬ينتشر،‭ ‬عالم‭ ‬يقف‭ ‬على‭ ‬رأسه‭ ‬الطير،‭ ‬تمكنت‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬آليات‭ ‬محكمة،‭ ‬وإجراءات‭ ‬صارمة،‭ ‬وبروتوكولات‭ ‬فاعلة‭ ‬من‭ ‬الخروج‭ ‬بالبلاد‭ ‬من‭ ‬المنطقة‭ ‬الحمراء‭ ‬للجائحة‭ ‬إلى‭ ‬المنطقة‭ ‬الصفراء‭ ‬للخطر،‭ ‬وكل‭ ‬التقديرات‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬بلوغنا‭ ‬المنطقة‭ ‬الخضراء‭ ‬قبل‭ ‬نهاية‭ ‬الأسبوع‭ ‬المقبل‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬تقدير‭. ‬

إنجاز‭ ‬يحسب‭ ‬للجنة‭ ‬التنسيقية‭ ‬برئاسة‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬وفريقه‭ ‬الوطني‭ ‬المحترف،‭ ‬ونتيجة‭ ‬غير‭ ‬متوقعة‭ ‬حققتها‭ ‬كتائبنا‭ ‬المرابطة‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬المواجهة‭ ‬مع‭ ‬الفيروس،‭ ‬عدو‭ ‬لا‭ ‬يرحم،‭ ‬لم‭ ‬يترك‭ ‬منطقة‭ ‬أو‭ ‬قارة‭ ‬أو‭ ‬نجع‭ ‬أو‭ ‬قرية‭ ‬إلا‭ ‬وداهمها،‭ ‬لم‭ ‬يستثن‭ ‬شعبا‭ ‬إلا‭ ‬وأصابه،‭ ‬وحدود‭ ‬إلا‭ ‬وقد‭ ‬اخترقها‭. ‬إنه‭ ‬“كوفيد‭ ‬‮١٩‬”،‭ ‬و‭ ‬“كوفيد‭ ‬كمان‭ ‬وكمان”،‭ ‬جاء‭ ‬إلينا‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬نحتسب،‭ ‬من‭ ‬حيوان،‭ ‬أو‭ ‬نبات،‭ ‬أو‭ ‬جماد،‭ ‬لا‭ ‬ندري،‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬يدري،‭ ‬أطل‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬المهيض‭ ‬بوجهه‭ ‬القبيح‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬ونصف‭ ‬العام،‭ ‬ودخل‭ ‬إلى‭ ‬بيوتنا‭ ‬كضيف‭ ‬ثقيل‭ ‬الظل،‭ ‬حسبناه‭ ‬انفلونزا‭ ‬طارئة‭ ‬والسلام،‭ ‬أو‭ ‬“شوية”‭ ‬برد‭ ‬سوف‭ ‬تذهب‭ ‬إلى‭ ‬حال‭ ‬سبيلها،‭ ‬لكن‭ ‬تأتي‭ ‬الرياح‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬تشتهي‭ ‬السفن،‭ ‬فإذا‭ ‬بنا‭ ‬نجده‭ ‬يقتل،‭ ‬ويفتك‭ ‬ويترك‭ ‬عاهات‭ ‬مستديمة،‭ ‬ويغلق‭ ‬مدنا‭ ‬بل‭ ‬دولا‭ ‬وقارات‭ ‬بأكملها،‭ ‬فرض‭ ‬حظر‭ ‬التجوال‭ ‬على‭ ‬أمم‭ ‬متحضرة،‭ ‬وحدد‭ ‬إقامة‭ ‬دول‭ ‬متقدمة،‭ ‬وأجبر‭ ‬الدنيا‭ ‬على‭ ‬إعلان‭ ‬حالة‭ ‬الطوارئ‭ ‬في‭ ‬المستشفيات‭ ‬ومراكز‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬والمستشفيات،‭ ‬منع‭ ‬السفر‭ ‬على‭ ‬الناس،‭ ‬هشم‭ ‬قطاع‭ ‬السياحة‭ ‬وأصاب‭ ‬حركة‭ ‬النقل‭ ‬في‭ ‬مقتل،‭ ‬أعاد‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يعتقد‭ ‬أنه‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬الدنيا‭ ‬قرونًا‭ ‬بعيدة‭ ‬إلى‭ ‬الوراء،‭ ‬فرق‭ ‬بين‭ ‬الأب‭ ‬وبنيه،‭ ‬بين‭ ‬الابن‭ ‬وأبيه،‭ ‬وبين‭ ‬الطالب‭ ‬والأستاذ،‭ ‬وبين‭ ‬كل‭ ‬دابة‭ ‬“أنت‭ ‬آخذ‭ ‬بناصيتها”‭. ‬

ورغم‭ ‬بروتوكولات‭ ‬الاحتراز،‭ ‬وسباق‭ ‬الأمم‭ ‬والشعوب‭ ‬على‭ ‬إيجاد‭ ‬لقاح‭ ‬فتاك‭ ‬أو‭ ‬دواء‭ ‬فعال،‭ ‬ورغم‭ ‬ماراثون‭ ‬الإبداع‭ ‬في‭ ‬تسييس‭ ‬اللقاحات،‭ ‬وتوجيه‭ ‬فاعليته،‭ ‬ورغم‭ ‬إنتاج‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬عشرة‭ ‬لقاحات‭ ‬بأنواعها‭ ‬ومشتقاتها،‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬وجدناه‭ ‬يفلت‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬لقاح،‭ ‬إما‭ ‬متخفيا‭ ‬في‭ ‬أشكال‭ ‬وصفات‭ ‬ومواصفات‭ ‬أخرى،‭ ‬وإما‭ ‬مهاجرا‭ ‬من‭ ‬قارة‭ ‬إلى‭ ‬قارة‭ ‬حاملا‭ ‬اسمًا‭ ‬جديدة‭ ‬وبطاقة‭ ‬تفشٍ‭ ‬مارقة،‭ ‬مرة‭ ‬حاملًا‭ ‬للقب‭ ‬مستعار‭ ‬باسم‭ ‬“ألفا”‭ ‬عندما‭ ‬حزم‭ ‬حقائبه‭ ‬وقرر‭ ‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬بريطانيا‭ ‬العظمى،‭ ‬وأخرى‭ ‬باسم‭ ‬“بيتا”‭ ‬عندما‭ ‬وجد‭ ‬لنفسه‭ ‬مرتعا‭ ‬خصبا‭ ‬في‭ ‬أقصى‭ ‬بقاع‭ ‬القارة‭ ‬السمراء‭ ‬ليستوطن‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬ومرة‭ ‬ثالثة‭ ‬وهو‭ ‬يحمل‭ ‬بطاقة‭ ‬هوية‭ ‬مختلفة‭ ‬باسم‭ ‬مستعار‭ ‬جديد‭ ‬هو‭ ‬“جاما”‭ ‬ليخترق‭ ‬به‭ ‬حدود‭ ‬البرازيل،‭ ‬فيصيب‭ ‬ويفتك‭ ‬ويقتل‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬في‭ ‬أسابيع‭ ‬قلائل،‭ ‬ثم‭ ‬يتجلى‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭ ‬عندما‭ ‬ارتدى‭ ‬ثوب‭ ‬المهراجا‭ ‬حاملا‭ ‬معه‭ ‬شكلا‭ ‬ومضمونا‭ ‬ورسائل‭ ‬ووسائل‭ ‬انتشار‭ ‬جديدة،‭ ‬ليقتحم‭ ‬الهند‭ ‬تحت‭ ‬اسم‭ ‬مختلف‭ ‬وهوية‭ ‬مختلفة‭ ‬وطرق‭ ‬عدوى‭ ‬وأعراض‭ ‬مختلفة‭ ‬وذلك‭ ‬عندما‭ ‬اخترق‭ ‬الحدود‭ ‬والنفوس‭ ‬باسم‭ ‬“دلتا”‭. ‬

وها‭ ‬نحن‭ ‬اليوم‭ ‬أمام‭ ‬متحورات‭ ‬ومشتقات‭ ‬أكثر‭ ‬غموضًا‭ ‬للفيروس‭ ‬تارة‭ ‬باسم‭ ‬“دلتا‭ ‬بلس”،‭ ‬وأخرى‭ ‬بأسماء‭ ‬ضقنا‭ ‬ذرعا‭ ‬من‭ ‬تتبع‭ ‬آثارها‭ ‬أو‭ ‬اقتفاء‭ ‬خطاها،‭ ‬رغم‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬الفريق‭ ‬الوطني‭ ‬لا‭ ‬يغمض‭ ‬له‭ ‬جفن،‭ ‬ظل‭ ‬يتابع‭ ‬رحلة‭ ‬الفيروس‭ ‬الغامض،‭ ‬وظل‭ ‬يكافح‭ ‬أشكاله‭ ‬وأفعاله،‭ ‬ويتصدى‭ ‬لتحوراته‭ ‬وتحولاته‭ ‬وصولاته‭ ‬وجولاته،‭ ‬تارة‭ ‬بالغلق‭ ‬الجزئي،‭ ‬وأخرى‭ ‬بالتوعية‭ ‬ونشر‭ ‬المعرفة‭ ‬عبر‭ ‬جميع‭ ‬الوسائل‭ ‬والوسائط‭ ‬وأجهزة‭ ‬الإعلام،‭ ‬وأخيرة‭ ‬بتوفير‭ ‬التطعيم‭ ‬المجاني‭ ‬والفحص‭ ‬المجاني‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يعيش‭ ‬أو‭ ‬يمر‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬الطيبة‭. ‬

بالنتيجة‭ ‬انخفضت‭ ‬الإصابات‭ ‬بفعل‭ ‬الغلق‭ ‬الجزئي‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬3‭ ‬آلاف‭ ‬إصابة‭ ‬يوميا‭ ‬إلى‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬‮١٢٠‬،‭ ‬والوفيات‭ ‬من‭ ‬‮٢٨‬‭ ‬كحد‭ ‬أقصى‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬أيام‭ ‬الشهور‭ ‬القريبة‭ ‬الماضية‭ ‬إلى3‭ ‬وفيات‭ ‬وأقل‭ ‬في‭ ‬المتوسط‭ ‬يوميا‭. ‬

منذ‭ ‬أيام‭ ‬تم‭ ‬فتح‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬المجمعات‭ ‬والمتاجر‭ ‬والمطاعم‭ ‬والمقاهي،‭ ‬ظنا‭ ‬أو‭ ‬فألا‭ ‬حسنا‭ ‬أو‭ ‬ثقة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬الناس،‭ ‬وها‭ ‬نحن‭ ‬أمام‭ ‬الاختبار‭ ‬الكبير،‭ ‬بأن‭ ‬نكون‭ ‬بحجم‭ ‬المسؤولية،‭ ‬وأن‭ ‬نرتفع‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬التحدي،‭ ‬بأن‭ ‬نواصل‭ ‬الاحتراز‭ ‬رغم‭ ‬الانفتاح،‭ ‬أن‭ ‬نحفظ‭ ‬لأنفسنا‭ ‬مساحة‭ ‬التباعد‭ ‬الاجتماعي‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬على‭ ‬قدرها،‭ ‬وأن‭ ‬نساعد‭ ‬الحكومة،‭ ‬التي‭ ‬راهنت‭ ‬على‭ ‬وعينا‭ ‬مرارا‭ ‬وتكرارا،‭ ‬بأن‭ ‬تكسب‭ ‬الرهان‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭.‬