ما وراء الحقيقة

الانسحاب الأميركي من أفغانستان

| د. طارق آل شيخان الشمري

عندما‭ ‬كان‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬السابق‭ ‬ترامب‭ ‬بسدة‭ ‬الحكم،‭ ‬اتخذ‭ ‬عدة‭ ‬قرارات‭ ‬ذات‭ ‬بعد‭ ‬استراتيجي،‭ ‬فهذا‭ ‬الرجل‭ ‬كان‭ ‬يمثل‭ ‬فعلا‭ ‬الكبرياء‭ ‬الأميركي‭ ‬بعد‭ ‬عظمة‭ ‬الرئيس‭ ‬رونالد‭ ‬ريغن،‭ ‬ومن‭ ‬ضمن‭ ‬سياسات‭ ‬بعد‭ ‬النظر‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬التي‭ ‬اتخذها‭ ‬ترامب‭ ‬مسألة‭ ‬الانسحابات‭ ‬من‭ ‬سوريا‭ ‬وأفغانستان،‭ ‬حيث‭ ‬نفذ‭ ‬هذه‭ ‬الانسحابات‭ ‬أو‭ ‬لوح‭ ‬لها‭ ‬بهدف‭ ‬مسك‭ ‬العصا‭ ‬من‭ ‬المنتصف،‭ ‬فترامب‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬متأكدا‭ ‬من‭ ‬مسألة‭ ‬إعادة‭ ‬انتخابه‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬خصوصا‭ ‬بعد‭ ‬كارثة‭ ‬تداعيات‭ ‬كورونا،‭ ‬بمعنى‭ ‬مثلا‭ ‬أنه‭ ‬بدأ‭ ‬مفاوضات‭ ‬اتفاقية‭ ‬سلام‭ ‬مع‭ ‬طالبان‭ ‬للانسحاب‭ ‬من‭ ‬أفغانستان،‭ ‬فإن‭ ‬نجح‭ ‬وأعيد‭ ‬انتخابه‭ ‬فإنه‭ ‬قد‭ ‬ينقلب‭ ‬على‭ ‬طالبان‭ ‬أو‭ ‬يبتزها‭ ‬أو‭ ‬يماطل،‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬شي‭ ‬يحقق‭ ‬مصلحة‭ ‬واشنطن‭ ‬لأنه‭ ‬نجح‭ ‬كرئيس‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬وأما‭ ‬إذا‭ ‬سقط‭ ‬بالانتخابات‭ ‬فإنه‭ ‬سيترك‭ ‬إرثا‭ ‬وحملا‭ ‬كبيرا‭ ‬على‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬نجحوا،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬لاحقا‭ ‬مع‭ ‬الديمقراطيين،‭ ‬فقد‭ ‬نفذ‭ ‬الديمقراطيون‭ ‬قرارات‭ ‬مؤتمر‭ ‬الدوحة‭ ‬الخاص‭ ‬بالانسحاب‭ ‬من‭ ‬أفغانستان‭ ‬وترك‭ ‬الساحة‭ ‬لحركة‭ ‬طالبان‭ ‬لمواجهة‭ ‬الحكومة‭ ‬الأفغانية‭ ‬وحدها‭.‬

وخلال‭ ‬مسيرة‭ ‬الغزو‭ ‬الأميركي‭ ‬لأفغانستان‭ ‬حتى‭ ‬توقيع‭ ‬اتفاقية‭ ‬السلام‭ ‬وما‭ ‬تلاها‭ ‬من‭ ‬تنفيذ‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬بنود‭ ‬الانسحاب،‭ ‬هناك‭ ‬نقطة‭ ‬مهمة‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬التوقف‭ ‬عندها‭ ‬لنعرف‭ ‬بداية‭ ‬ونهاية‭ ‬هذا‭ ‬الغزو‭ ‬أو‭ ‬التواجد‭ ‬الأميركي،‭ ‬وهو‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرار‭ ‬الغزو،‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬الذي‭ ‬اتخذه‭ ‬الرئيس‭ ‬بوش‭ ‬الابن‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬نقطتين‭ ‬هما‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬طالبان‭ ‬ونشر‭ ‬الديمقراطية‭ ‬بأفغانستان،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬فشلت‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وداسوا‭ ‬عليها،‭ ‬ووقعت‭ ‬واشنطن‭ ‬اتفاقية‭ ‬مع‭ ‬العدو‭ ‬الطالباني‭ ‬لتترك‭ ‬الساحة‭ ‬له‭. ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬فشل‭ ‬سياسة‭ ‬عمرها‭ ‬20‭ ‬سنة‭ ‬تعاقب‭ ‬على‭ ‬إدارتها‭ ‬عدة‭ ‬رؤساء‭ ‬أميركيين‭. ‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬نرى‭ ‬أن‭ ‬السياسة‭ ‬الأميركية‭ ‬لم‭ ‬تدرس‭ ‬الموضوع‭ ‬جيدا‭ ‬عندما‭ ‬قررت‭ ‬غزو‭ ‬أفغانستان،‭ ‬ولم‭ ‬تع‭ ‬أبدا‭ ‬درس‭ ‬التورط‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬أفغانستان،‭ ‬بل‭ ‬كررته‭ ‬بنفس‭ ‬السيناريو‭ ‬الروسي،‭ ‬الذي‭ ‬خسر‭ ‬خسارة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬وخرج‭ ‬مهزوما،‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬افترضنا‭ ‬أن‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬نفذوا‭ ‬قرار‭ ‬الانسحاب‭ ‬لهدف‭ ‬آخر‭ ‬سنستعرضه‭ ‬لاحقا‭.‬