ومضة قلم

افتحوا نوافذ الفرح

| محمد المحفوظ

تتضاعف‭ ‬أعداد‭ ‬المترددين‭ ‬على‭ ‬العيادات‭ ‬النفسية‭ ‬عاما‭ ‬بعد‭ ‬الآخر،‭ ‬وقد‭ ‬أشارت‭ ‬الإحصاءات‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬عن‭ ‬61‭ ‬ألف‭ ‬زيارة‭ ‬للعيادات‭ ‬النفسية،‭ ‬وهو‭ ‬رقم‭ ‬يدق‭ ‬ناقوس‭ ‬الخطر،‭ ‬ومع‭ ‬انتشار‭ ‬الجائحة‭ ‬تزايدت‭ ‬الضغوط‭ ‬النفسية‭ ‬ومستويات‭ ‬القلق‭ ‬لدى‭ ‬الكثيرين،‭ ‬ولطالما‭ ‬حذر‭ ‬علماء‭ ‬النفس‭ ‬من‭ ‬الفراغ‭ ‬العاطفيّ‭ ‬أو‭ ‬الجفاف‭ ‬العاطفيّ‭ ‬الذي‭ ‬يحيل‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان‭ ‬إلى‭ ‬كائن‭ ‬مستلب‭ ‬نفسيا‭ ‬وعقليا،‭ ‬والبعض‭ ‬يرى‭ ‬أنّ‭ ‬ثمة‭ ‬علاقة‭ ‬بين‭ ‬الحالة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وخصوصا‭ ‬لذوي‭ ‬الدخل‭ ‬المحدود‭ ‬وانهيار‭ ‬الوضع‭ ‬النفسي،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬التفسير‭ ‬المنطقي‭ ‬لإصابة‭ ‬أصحاب‭ ‬الدخول‭ ‬الميسورة؟

كان‭ ‬التساؤل‭ ‬المحير‭ ‬لماذا‭ ‬احتلت‭ ‬الكآبة‭ ‬الوجوه؟‭ ‬وكانت‭ ‬الإجابة‭ ‬جاهزة‭ ‬انها‭ ‬آفة‭ ‬العصر‭ ‬الذي‭ ‬طغت‭ ‬فيه‭ ‬الماديات‭ ‬وأصبح‭ ‬التوحش‭ ‬–‭ ‬والعنف‭ - ‬سمة‭ ‬ملازمة،‭ ‬القلق‭ ‬والكآبة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬حالات‭ ‬نفسية‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬متوقفة‭ ‬على‭ ‬الأيام‭ ‬المعتادة،‭ ‬لكن‭ ‬الباعث‭ ‬على‭ ‬الدهشة‭ ‬حتى‭ ‬الأيام‭ ‬تتشابه،‭ ‬والفرح‭ ‬كالأعياد‭ ‬لا‭ ‬نكاد‭ ‬نجد‭ ‬فارقا‭ ‬بينها،‭ ‬أحدهم‭ ‬عبّر‭ ‬بأسى‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭.. ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أبتهج‭ ‬بيوم‭ ‬العيد‭! ‬وطبقا‭ ‬لفلسفته‭ ‬أنّ‭ ‬العيد‭ ‬ليس‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مناسبة‭ ‬للنفاق‭ ‬الاجتماعيّ‭! ‬صحيح‭ ‬أنّ‭ ‬الطقوس‭ ‬اختزلت‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المناسبة‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬طقوس‭ ‬مستعجلة‭ ‬باهتة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬أن‭ ‬الفرح‭ ‬لا‭ ‬يتعدى‭ ‬بضع‭ ‬دقائق،‭ ‬وتم‭ ‬إفراغ‭ ‬العيد‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬جميل‭ ‬وبهيج،‭ ‬والمصافحة‭ ‬إذا‭ ‬تمت‭ ‬فإنها‭ ‬بلا‭ ‬حرارة‭ ‬ولا‭ ‬دفء‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬افتقادها‭ ‬الصدق‭ ‬وعفوية‭ ‬أيام‭ ‬زمان،‭ ‬الأيادي‭ ‬تمتد‭ ‬بيد‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تحمل‭ ‬الشوق‭.‬

الابتسامة‭ ‬لا‭ ‬تكلفنا‭ ‬شيئا‭ ‬فلماذا‭ ‬هي‭ ‬شحيحة،‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬فتح‭ ‬الأبواب‭ ‬والنوافذ‭ ‬ورسم‭ ‬البهجة‭ ‬على‭ ‬الوجوه‭ ‬المتعبة،‭ ‬وأتذكر‭ ‬مقولة‭ ‬رائعة‭ ‬تحث‭ ‬على‭ ‬الفرح‭ ‬مفادها‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تفرح‭ ‬فلا‭ ‬مفر‭ ‬من‭ ‬التظاهر‭ ‬بالفرح‭! ‬إنها‭ ‬تطرح‭ ‬البديل‭ ‬لمقولة‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تبكوا‭ ‬فتباكوا‭. ‬تقمص‭ ‬دور‭ ‬الفنان‭ ‬الكوميدي‭ ‬الذي‭ ‬يصنع‭ ‬الابتسامة‭ ‬والضحك‭ ‬بات‭ ‬واجبا‭ ‬كما‭ ‬قيل‭ ‬ابتسم‭ ‬ولو‭ ‬مجاملة،‭ ‬ويبدو‭ ‬أنّ‭ ‬مقولة‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬رسم‭ ‬البسمة‭ ‬“فأقفل‭ ‬عليك‭ ‬بابك”‭ ‬صحيحة‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬الحدود،‭ ‬وأخيرا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نغفل‭ ‬أن‭ ‬طبيعة‭ ‬حياتنا‭ ‬المعاصرة‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬الضعوط،‭ ‬فقد‭ ‬أصبح‭ ‬البشر‭ ‬جثثا‭ ‬مجمدة‭ ‬في‭ ‬صناديق‭ ‬خرسانية‭.‬