ياسمينيات

ترف المحتاجين

| ياسمين خلف

“بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬مساعدة‭ ‬مالية‭.. ‬فاعل‭ ‬خير‭ ‬أو‭ ‬أية‭ ‬جهة‭ ‬أو‭ ‬مؤسسة‭ ‬خيرية،‭ ‬فحالتي‭ ‬صعبة”،‭ ‬جملة‭ ‬نسمعها‭ ‬نحن‭ ‬معشر‭ ‬الصحافيين‭ ‬بشكل‭ ‬دائم‭ ‬ومستمر،‭ ‬نلبي‭ ‬النداء‭ ‬والاستغاثة‭ ‬الإنسانية‭ ‬على‭ ‬الفور،‭ ‬فدورنا‭ ‬نقل‭ ‬معاناة‭ ‬الناس‭ ‬وإيصالها‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬يهمه‭ ‬الأمر،‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الحالات‭ ‬وجدت‭ ‬ضالتها‭ ‬عبر‭ ‬الصحافة،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬ومن‭ ‬واجبنا‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬نعلن‭ ‬عنها‭ ‬التحقق‭ ‬منها،‭ ‬للتأكد‭ ‬من‭ ‬جدية‭ ‬تلك‭ ‬المناشدات،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬فعلاً‭ ‬كما‭ ‬يصفها‭ ‬أصحابها‭ ‬أم‭ ‬أنها‭ ‬مبالغ‭ ‬فيها،‭ ‬وهل‭ ‬هو‭ ‬محتاج‭ ‬فعلاً‭ ‬أم‭ ‬محتال؟

المصيبة‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬اكتشفت‭ ‬أن‭ ‬الحالة‭ ‬تلك‭ ‬لم‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬وصلت‭ ‬إليه‭ ‬إلا‭ ‬لسوء‭ ‬التدبير،‭ ‬واتكالية‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬“سأجد‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يفعل‭ ‬الخير‭ ‬ويريد‭ ‬أن‭ ‬يتصدق،‭ ‬فلماذا‭ ‬لا‭ ‬أكون‭ ‬أنا‭ ‬من‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الخير”‭! ‬ولا‭ ‬أمزح‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬قلت‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يتاجر‭ ‬في‭ ‬معاناة‭ ‬أهله‭ ‬المرضى‭ ‬فيجمع‭ ‬التبرعات‭ ‬للعلاج،‭ ‬لتفاجأ‭ ‬بأنه‭ ‬مسافر‭ ‬للسياحة‭! ‬وأن‭ ‬ذاك‭ ‬الذي‭ ‬يطلب‭ ‬مساعدات‭ ‬من‭ ‬صندوق‭ ‬خيري،‭ ‬ويبحث‭ ‬عن‭ ‬الأيادي‭ ‬البيضاء‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬يدفع‭ ‬أقساطاً‭ ‬بمئات‭ ‬الدنانير‭ ‬كل‭ ‬شهر‭ ‬لسيارة‭ ‬فارهة‭! ‬ألا‭ ‬تقوم‭ ‬السيارة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الصغيرة‭ ‬بالمهمة؟‭ ‬أليس‭ ‬من‭ ‬الأولى‭ ‬أن‭ ‬أركب‭ ‬سيارة‭ ‬عادية‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬أريق‭ ‬ماء‭ ‬وجهي‭ ‬لفلان‭ ‬وعلان‭ ‬ليساعدني‭ ‬في‭ ‬دفع‭ ‬أقساطها؟‭ ‬

المشكلة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬النماذج‭ ‬تسيء‭ ‬للمحتاجين‭ ‬الفعليين،‭ ‬الذين‭ ‬قال‭ ‬الله‭ ‬فيهم‭ ‬“يحسبهم‭ ‬الجاهل‭ ‬أغنياء‭ ‬من‭ ‬التعفف‭ ‬تعرفهم‭ ‬بسيماهم‭ ‬لا‭ ‬يسألون‭ ‬الناس‭ ‬إلحافا”‭ (‬البقرة‭ ‬273‭)‬،‭ ‬فإنهم‭ ‬ولعزة‭ ‬أنفسهم‭ ‬لا‭ ‬يطلبون‭ ‬المساعدة‭ ‬رغم‭ ‬أنهم‭ ‬أحوج‭ ‬الناس‭ ‬إليها،‭ ‬فيتقدم‭ ‬إليها‭ ‬للأسف‭ ‬المحتالون‭ ‬الذين‭ ‬يلجأون‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬طرق‭ ‬للاستعطاف،‭ ‬والذين‭ ‬يتسببون‭ ‬في‭ ‬التشكيك‭ ‬في‭ ‬الحالات‭ ‬الإنسانية‭ ‬جميعها،‭ ‬بل‭ ‬ويتسببون‭ ‬في‭ ‬عزوف‭ ‬المقتدرين‭ ‬أو‭ ‬الباحثين‭ ‬عن‭ ‬فعل‭ ‬الخير‭ ‬عن‭ ‬مساعدتهم‭. ‬

المحتاج‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬قوت‭ ‬يومه‭ ‬وقوت‭ ‬عياله،‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬ما‭ ‬يلبس،‭ ‬ولا‭ ‬يجد‭ ‬ما‭ ‬يتداوى‭ ‬به،‭ ‬وذاك‭ ‬الذي‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يحصل‭ ‬أبناؤه‭ ‬على‭ ‬حقهم‭ ‬من‭ ‬التعليم،‭ ‬ودون‭ ‬ذلك‭ ‬ترف‭ ‬لا‭ ‬يرقى‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬حاجة‭ ‬تستحق‭ ‬أن‭ ‬تسأل‭ ‬الناس‭ ‬فيها‭ ‬مد‭ ‬أيديهم‭ ‬البيضاء‭.‬

 

ياسمينة‭:

‬هناك‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬أحوج‭ ‬منكم‭.‬