الحياةُ بلا تكنولوجيا

| هدى حرم

أغمضْ‭ ‬عينيك‭ ‬وتخيل‭ ‬أنك‭ ‬تعيشُ‭ ‬في‭ ‬منزلٍ‭ ‬خشبي‭ ‬وسط‭ ‬غابةٍ‭ ‬ما،‭ ‬وهكذا‭ ‬ستبقى‭ ‬ما‭ ‬حييت،‭ ‬لا‭ ‬تملكُ‭ ‬في‭ ‬مُسْتقركَ‭ ‬هذا‭ ‬سوى‭ ‬ما‭ ‬تسدُّ‭ ‬به‭ ‬جوعك‭ ‬وتروي‭ ‬به‭ ‬ظمأك،‭ ‬لا‭ ‬تلفازَ‭ ‬يسد‭ ‬فراغَ‭ ‬يومك،‭ ‬ولا‭ ‬حاسباً‭ ‬محمولاً،‭ ‬ولا‭ ‬هاتفاً‭ ‬جوالاً،‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬مكيفا‭... ‬تَخيَّلت‭ ‬كيف‭ ‬تبدو‭ ‬حياتكَ‭ ‬بلا‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬نوعٍ‭ ‬يا‭ ‬ترى؟‭ ‬أهي‭ ‬أفضلُ‭ ‬وأهدأ‭ ‬وأكثرُ‭ ‬سلاماً،‭ ‬أم‭ ‬أقسى‭ ‬وأكثرُ‭ ‬صعوبة‭ ‬وأشدُ‭ ‬عسرة؟

لا‭ ‬ندَّعي‭ ‬أنَّ‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬سيئةٌ‭ ‬وشريرة،‭ ‬لأنها‭ ‬سارقةٌ‭ ‬باحتراف،‭ ‬لكنها‭ ‬قدمتْ‭ ‬خدماتٍ‭ ‬جليلةٍ‭ ‬لا‭ ‬تُعدُّ‭ ‬ولا‭ ‬تُحصى‭ ‬للبشرية‭ ‬على‭ ‬مرِ‭ ‬العصور،‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬تعني‭ ‬بلساننا‭ ‬“علم‭ ‬الحرفة”،‭ ‬فهي‭ ‬أي‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬بدأت‭ ‬مع‭ ‬بدء‭ ‬الخليقة،‭ ‬حين‭ ‬اخترع‭ ‬الإنسانُ‭ ‬النار‭ ‬ليطهو‭ ‬لقمتهُ‭ ‬ويعيش،‭ ‬ثم‭ ‬توالت‭ ‬الاختراعاتُ‭ ‬البشرية‭ ‬حتى‭ ‬ذللتْ‭ ‬الصعاب‭ ‬وجعلت‭ ‬المستحيل‭ ‬ممكنا‭ ‬والصعب‭ ‬الشديد‭ ‬سهلا‭ ‬يسيرا،‭ ‬فكان‭ ‬المصباحُ‭ ‬الكهربائي‭ ‬والقطار‭ ‬البخاري‭ ‬والسيارةُ‭ ‬والتلفاز،‭ ‬حتى‭ ‬وصلنا‭ ‬للحاسبِ‭ ‬الآلي‭ ‬والمحمول‭ ‬وصار‭ ‬الإنترنت‭ ‬مُتاحاً‭ ‬للكل‭ ‬والهاتفُ‭ ‬الجوالُ‭ ‬ضرورةً‭ ‬لدى‭ ‬الجميع،‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الكشف‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬تطور‭ ‬العلوم‭ ‬والدفع‭ ‬بعجلة‭ ‬التعليم‭ ‬وتسهيل‭ ‬المعاملات‭ ‬وتطوير‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬وبناءِ‭ ‬علاقاتٍ‭ ‬وصداقات‭ ‬بين‭ ‬الأفراد‭ ‬وأقرانهم‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬والمشاركة‭ ‬الفاعلة‭ ‬في‭ ‬حوار‭ ‬الحضارات‭ ‬وتقريبِ‭ ‬الأديان‭.. ‬أية‭ ‬حياةٍ‭ ‬قبل‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬نتحدثُ‭ ‬عنها‭ ‬إذاً؟

بيْدَ‭ ‬أننا‭ ‬ومن‭ ‬ناحيةٍ‭ ‬أخرى‭ ‬لا‭ ‬نأمنُ‭ ‬شر‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال؛‭ ‬فالسيارةُ‭ ‬اختراعٌ‭ ‬عظيم،‭ ‬يُوصلني‭ ‬لوجهتي‭ ‬في‭ ‬وقتٍ‭ ‬قصير،‭ ‬لكنها‭ ‬قد‭ ‬تدهسُني‭ ‬في‭ ‬ثانية،‭ ‬والهاتفُ‭ ‬الذي‭ ‬أحمله‭ ‬معي‭ ‬أينما‭ ‬ذهبت‭ ‬قد‭ ‬يُنقذني‭ ‬عند‭ ‬الحاجة،‭ ‬لكنه‭ ‬قد‭ ‬يُعرِّضُني‭ ‬للتشهير‭ ‬والتحرشِ‭ ‬ليُفسدَ‭ ‬حياتي‭ ‬في‭ ‬لحظة‭. ‬قد‭ ‬أدعي‭ ‬أنَّ‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬التي‭ ‬أنارتْ‭ ‬الظلام‭ ‬وقربتْ‭ ‬البعيد،‭ ‬ويسَّرتْ‭ ‬العسير،‭ ‬كذلك‭ ‬أفسدتْ‭ ‬الحياة‭.. ‬تلك‭ ‬الحياة‭ ‬البِكرُ‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يحياها‭ ‬الخَلْقُ‭ ‬على‭ ‬الفِطرة‭ ‬والبراءةِ‭ ‬والبساطة‭ ‬أصبحت‭ ‬مشوهةً‭ ‬مُعقَّدةً‭ ‬لا‭ ‬تُشبهُ‭ ‬نفسها‭ ‬أبداً،‭ ‬قد‭ ‬غابَ‭ ‬منها‭ ‬الجمالُ‭ ‬الفطري‭ ‬واضمحلت‭ ‬الخُلُق‭ ‬فسادتْ‭ ‬العجرفةُ‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬البشر،‭ ‬وبدأت‭ ‬جرائمُ‭ ‬جديدةٌ‭ ‬تتعلقُ‭ ‬بالتكنولوجيا‭ ‬بالظهور،‭ ‬وتمزقت‭ ‬روابطُ‭ ‬الدم‭ ‬وتقطَّعتْ‭ ‬العلاقاتُ‭ ‬داخلَ‭ ‬الأُسر،‭ ‬فقد‭ ‬نجحت‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬في‭ ‬سرقة‭ ‬أدمغتنا‭ ‬ووقتنا‭ ‬وحياتنا‭ ‬لشديد‭ ‬الأسف،‭ ‬فهل‭ ‬خربت‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬حياتنا‭ ‬وشوهتها؟

خلاصةُ‭ ‬القول،‭ ‬إنَّ‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬أو‭ ‬علم‭ ‬المهارة‭ ‬هي‭ ‬إلهامٌ‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬وتطبيقٌ‭ ‬للعلمِ‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬البشر،‭ ‬ولا‭ ‬شرَّ‭ ‬فيها‭ ‬ولا‭ ‬بأس،‭ ‬إنما‭ ‬البأسُ‭ ‬يكمنُ‭ ‬في‭ ‬طريقةِ‭ ‬استخدامِ‭ ‬البشرِ‭ ‬تلك‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬التي‭ ‬طُوِّرتْ‭ ‬لتجعلَ‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬مكاناً‭ ‬أروع‭ ‬وأجمل‭ ‬وأكثرَ‭ ‬سلاماً‭ ‬وأمانا،‭ ‬لا‭ ‬لتبُثَّ‭ ‬الشعورَ‭ ‬بالخوف‭.‬