مُلتقطات

“السيد هاشم” يترجل...

| د. جاسم المحاري

ينتقص‭ ‬خطّ‭ ‬الحياة‭ ‬ولا‭ ‬يكتمل‭ ‬دون‭ ‬وجود‭ ‬الأحبة،‭ ‬فهُم‭ ‬الأنس‭ ‬والسعادة‭ ‬اللذان‭ ‬يُعتدّ‭ ‬بهما‭ ‬دون‭ ‬تقبلٍّ‭ ‬عند‭ ‬محين‭ ‬الفراق‭ ‬والفقد‭ ‬إلى‭ ‬حيث‭ ‬يعتصر‭ ‬القلب‭ ‬حرقةً‭ ‬وألماً،‭ ‬بعد‭ ‬رحيلٍ‭ ‬قد‭ ‬آمن‭ ‬بقضائه‭ ‬ورضيَ‭ ‬بقدره‭ ‬حتى‭ ‬يُصيّر‭ ‬الموت‭ ‬سنّة‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ ‬بإذن‭ ‬الخالق‭ ‬على‭ ‬أناسٍ‭ ‬اعتصرت‭ ‬قلوبهم‭ ‬شوقاً‭ ‬ولهفة‭ ‬لذلك‭ ‬الرحيل‭ ‬الذي‭ ‬يُسكن‭ ‬النفوس‭ ‬المفجوعة‭ ‬حزناً،‭ ‬ويترك‭ ‬الخلاّن‭ ‬المكلومة‭ ‬نازفة‭ ‬وسط‭ ‬أجواء‭ ‬الخطب‭ ‬المؤلم‭ ‬والحدث‭ ‬المُوجع‭ ‬والأمر‭ ‬المَهول؛‭ ‬بثقلِ‭ ‬الأنكاد‭ ‬وعبءِ‭ ‬الأكدار،‭ ‬لنارٍ‭ ‬تستعر،‭ ‬وقلبٍ‭ ‬يحترق،‭ ‬وعضُدٍ‭ ‬يُفت‭ ‬لأحبةٍ‭ ‬توسّدت‭ ‬أجسادهم‭ ‬الثرى‭.‬

أبدع‭ ‬الباري‭ ‬بحكمته‭ ‬خلق‭ ‬الدنيا‭ ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬جعلها‭ ‬دار‭ ‬الفناء‭ ‬بزينتها‭ ‬السّراب،‭ ‬ومستقر‭ ‬الزوال‭ ‬بعمرانها‭ ‬الخراب،‭ ‬التي‭ ‬إنْ‭ ‬أضحكت‭ ‬أبكت‭ ‬وإنْ‭ ‬أسرّت‭ ‬أحزنت‭ ‬وإنْ‭ ‬أراحت‭ ‬أتعبت،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬تصفو‭ ‬لأحد‭ ‬ولا‭ ‬تدوم‭ ‬على‭ ‬حال،‭ ‬فكل‭ ‬حيّ‭ ‬فيها‭ ‬يموت‭ ‬وكل‭ ‬مخلوق‭ ‬عليها‭ ‬يفنى‭ ‬حين‭ ‬يُبتلى‭ ‬فيها‭ ‬الإنسان‭ ‬بالمصائب‭ ‬ويُمتحن‭ ‬بالأقدار‭ ‬المؤلمة‭ ‬التي‭ ‬تتعاظم‭ ‬عند‭ ‬الموت‭ ‬وفقد‭ ‬الأحبة،‭ ‬ولاسيّما‭ ‬الوالدين‭ ‬اللذين‭ ‬تزداد‭ ‬بهما‭ ‬الروابط‭ ‬ترسّخاً‭ ‬بالفطرة‭ ‬والصفات‭ ‬بالوراثة‭ ‬والوشائج‭ ‬بالاجتماع‭ ‬والمنطلقات‭ ‬بالاعتقاد‭ ‬في‭ ‬مسالك‭ ‬الحبّ‭ ‬الغريزي‭ ‬وتشكيل‭ ‬الشخوص‭ ‬على‭ ‬تعليم‭ ‬القيّم‭ ‬السامية‭ ‬واكتساب‭ ‬السلوكات‭ ‬المُوجَبَة‭ ‬وتحمّل‭ ‬الوافر‭ ‬من‭ ‬الشقاء‭ ‬في‭ ‬الرعاية‭ ‬والعناية‭ ‬والمسؤولية‭ ‬والحماية‭ ‬والإحاطة‭ ‬بالعطف‭ ‬والحنان‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ينضب‭.‬

الأب‭ ‬باعتباره‭ ‬أحد‭ ‬الركنين،‭ ‬يسمو‭ ‬بدوره‭ ‬العظيم‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يُمكن‭ ‬لأحدٍ‭ ‬أن‭ ‬يسدّ‭ ‬محلّه‭ ‬عند‭ ‬فقدانه،‭ ‬حيث‭ ‬يتخلخل‭ ‬حينها‭ ‬البيت‭ ‬بأعمدته‭ ‬وتفقد‭ ‬الخيمة‭ ‬أطنابها‭ ‬حتى‭ ‬يضعف‭ ‬الدرع‭ ‬الحامي‭ ‬الذي‭ ‬يذود‭ ‬عواصف‭ ‬الأيام‭ ‬ويحمي‭ ‬غدر‭ ‬الحياة‭ ‬ويقي‭ ‬تقلبات‭ ‬الزمان‭. ‬هذا‭ ‬الأب‭ ‬الذي‭ ‬نحن‭ ‬بصدده‭ ‬وأجمع‭ ‬على‭ ‬حبّه‭ ‬الكبير‭ ‬والصغير‭ ‬والقريب‭ ‬والبعيد‭ ‬في‭ ‬قريته‭ ‬الوادعة‭ ‬جنوسّان‭ ‬–‭ ‬إحدى‭ ‬قرى‭ ‬المحافظة‭ ‬الشمالية‭ ‬بالبحرين‭ - ‬يترجل‭ ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬ترك‭ ‬إرثاً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬الحبّ‭ ‬ورصيداً‭ ‬هائلاً‭ ‬من‭ ‬الاحترام‭ ‬ليتبوّأ‭ ‬المكانة‭ ‬التي‭ ‬تليق‭ ‬في‭ ‬القلوب‭ ‬بدماثة‭ ‬الخلق‭ ‬وسمو‭ ‬المشاعر‭ ‬ونُبل‭ ‬التواضع‭.. ‬“السيد‭ ‬هاشم”‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬الابتسامة‭ ‬والبشاشة‭ ‬والسماحة‭ ‬مفتاح‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬قلوب‭ ‬أبناء‭ ‬قريته‭ ‬وزملاء‭ ‬عمله‭ ‬وجيران‭ ‬حيّه‭ ‬الذين‭ ‬أقبلوا‭ ‬عليه‭ ‬مُجتمعين‭ ‬وتقرّبوا‭ ‬إليه‭ ‬مُنجذبين‭ ‬ليحضوا‭ ‬منه‭ ‬بودٍّ‭ ‬وحبّ‭ ‬صادقين‭.. ‬“السيد‭ ‬هاشم”‭ ‬الذي‭ ‬أُودع‭ ‬الحُفرة‭ ‬الضَّيقة‭ ‬بعد‭ ‬صعود‭ ‬روحه‭ ‬إلى‭ ‬السماء‭ ‬الفسيحة،‭ ‬هو‭ ‬مَن‭ ‬راهنَ‭ ‬على‭ ‬حبّ‭ ‬الناس‭ ‬وعمله‭ ‬الصالح‭ ‬الذي‭ ‬بات‭ ‬أنيسه‭ ‬ورفيقه‭ ‬وجليسه‭ ‬ومُزيل‭ ‬وَحشته‭ ‬في‭ ‬وحدته‭. ‬

نافلة‭: ‬

سُئل‭ ‬الإمام‭ ‬علي‭ (‬ع‭): ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬شيء‭ ‬أعظم‭ ‬من‭ ‬الموت؟‭ ‬قال‭: ‬نعم‭ ‬فراق‭ ‬الأحبة‭! ‬وما‭ ‬أعظم‭ ‬وفاء‭ ‬الأحياء‭ ‬لأحبةٍ‭ ‬لهم‭ ‬تحت‭ ‬التراب،‭ ‬سبقونا‭ ‬إلى‭ ‬أول‭ ‬منازل‭ ‬الآخرة‭ ‬وتركونا‭ ‬بين‭ ‬الحنين‭ ‬والأنين،‭ ‬وفاء‭ ‬نَذْكُرُهُم‭ ‬فيه‭ ‬بدعوة‭ ‬تُجافي‭ ‬الأرض‭ ‬عن‭ ‬جنبيهم‭ ‬وتُنّقيهم‭ ‬من‭ ‬الذنوب‭ ‬وتُخلصّهم‭ ‬من‭ ‬الخطايا‭ ‬وتأنس‭ ‬وحشتهم‭ ‬وتُنير‭ ‬ظلمتهم‭ ‬وترحم‭ ‬وحدتهم‭ ‬وترفع‭ ‬درجاتهم‭ ‬وتجعل‭ ‬قبورهم‭ ‬روضة‭ ‬من‭ ‬رياض‭ ‬الجنة‭.‬