فجر جديد

وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور

| إبراهيم النهام

قدم‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬دروساً‭ ‬للبشرية،‭ ‬في‭ ‬بخس‭ ‬الحياة‭ ‬الدنيا،‭ ‬وقصرها‭ ‬وتفاهتها،‭ ‬ومحدودية‭ ‬قيمتها‭ ‬والبقاء‭ ‬فيها،‭ ‬قصتها‭ ‬المستمرة‭ ‬الموت‭ ‬المفاجئ‭ ‬والمباغت‭ ‬لمن‭ ‬كانوا‭ ‬شركاء‭ ‬الأمس‭ ‬وأصدقاءه،‭ ‬وأقرباءه‭ ‬وأحبابه‭.‬

نبه‭ ‬الفيروس‭ ‬قاطعي‭ ‬صلة‭ ‬الأرحام،‭ ‬بالواجبات‭ ‬التي‭ ‬نسوها‭ ‬وأهملوها،‭ ‬وركنوها‭ ‬على‭ ‬جنب،‭ ‬لكنها‭ - ‬في‭ ‬المقابل‭ - ‬من‭ ‬تحدد‭ ‬مسارات‭ ‬العالم‭ ‬الآخر،‭ ‬أين‭ ‬سيكون‭ ‬مصيرهم؟‭ ‬ومع‭ ‬من؟‭ ‬وكيف؟‭ ‬وإلى‭ ‬أين‭ ‬هم‭ ‬ذاهبون؟

سكب‭ ‬الفيروس‭ ‬العنيد‭ ‬ماء‭ ‬باردا‭ ‬على‭ ‬رؤوس‭ ‬العاقين‭ ‬لوالديهم،‭ ‬ولمن‭ ‬يهجرون‭ ‬المساجد،‭ ‬ويعيثون‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬فساداً،‭ ‬ويخنقون‭ ‬الناس‭ ‬ببذاءة‭ ‬سلوكياتهم‭ ‬وأفعالهم،‭ ‬وبأخذ‭ ‬ما‭ ‬ليس‭ ‬لهم،‭ ‬بأن‭ ‬الرحيل‭ ‬على‭ ‬غفلة‭ ‬واقع‭ ‬ممكن،‭ ‬والشواهد‭ ‬بذلك‭ ‬كثيرة‭ ‬وقريبة‭.‬

نبه‭ ‬الفيروس‭ ‬سراق‭ ‬أموال‭ ‬الناس،‭ ‬بأن‭ ‬الحياة‭ ‬الفانية‭ ‬هذه‭ ‬مجرد‭ ‬محطة‭ ‬عابرة،‭ ‬وعاجلة،‭ ‬وبأن‭ ‬هناك‭ ‬حسابا‭ ‬لكل‭ ‬شاردة‭ ‬وواردة،‭ ‬وبأن‭ ‬العمل‭ ‬الصالح‭ ‬هو‭ ‬الباقي،‭ ‬والأبدي،‭ ‬شاء‭ ‬من‭ ‬شاء،‭ ‬وأبى‭ ‬من‭ ‬أبى‭.‬

كما‭ ‬ذكر‭ ‬كورونا‭ ‬أصحاب‭ ‬الأموال‭ ‬والأطيان‭ ‬والثروات‭ ‬والكنوز‭ ‬المخبأة،‭ ‬بأنها‭ ‬إرث‭ ‬لمن‭ ‬بعدهم،‭ ‬والذين‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يذكرونهم‭ ‬بعد‭ ‬الرحيل‭ ‬حتى‭ ‬“بدعوة”‭.‬

لم‭ ‬يغفل‭ ‬كورونا‭ ‬عن‭ ‬تذكير‭ ‬المسؤولين‭ ‬الذين‭ ‬يخنقون‭ ‬صغار‭ ‬الموظفين‭ ‬وفاقدي‭ ‬الحيلة‭ ‬منهم،‭ ‬بأبسط‭ ‬الطلبات‭ ‬وأصغرها،‭ ‬بأن‭ ‬دوركم‭ ‬آت،‭ ‬مثلكم‭ ‬مثل‭ ‬غيركم،‭ ‬وأن‭ ‬هناك‭ ‬حسابا‭ ‬وانتقاما،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬للعقل‭ ‬البشري‭ ‬أن‭ ‬يفهمه‭.‬

“يا‭ ‬عبادي‭ ‬اني‭ ‬احرمت‭ ‬الظلم‭ ‬على‭ ‬نفسي‭ ‬وجعلته‭ ‬بينكم‭ ‬محرماً‭ ‬فلا‭ ‬تظالموا”،‭ ‬حديث‭ ‬عظيم،‭ ‬يوجز‭ ‬الكثير‭ ‬والكثير،‭ ‬ولكن‭ ‬أكثرهم‭ ‬غافلون،‭ ‬ومتمنعون‭.‬

كورونا‭ ‬هو‭ ‬ضيف‭ ‬ثقيل‭ ‬كغيره،‭ ‬وسيرحل‭ ‬يوما‭ ‬ما،‭ ‬لكن‭ ‬التساؤل‭ ‬الحقيقي‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬العبر‭ ‬والقيم‭ ‬والمبادئ‭ ‬التي‭ ‬سيخرج‭ ‬بها‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬حصل،‭ ‬ودمتم‭ ‬بخير‭.‬