بوسطن الخليج!

| د. عبدالله الحواج

قبل‭ ‬أيام‭ ‬التقينا،‭ ‬وكانت‭ ‬محاسن‭ ‬المواقيت‭ ‬قد‭ ‬أبت‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تجمعنا‭ ‬بسيدة‭ ‬أعرف‭ ‬أنها‭ ‬تفكر‭ ‬كثيرا‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تبدي‭ ‬رأيا،‭ ‬وتستمع‭ ‬بعمق‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬تتكلم،‭ ‬هي‭ ‬الدكتورة‭ ‬الشيخة‭ ‬رنا‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬نائب‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬وأمينه‭ ‬العام‭. ‬كان‭ ‬اللقاء‭ ‬في‭ ‬مكتبها‭ ‬حيث‭ ‬الملفات‭ ‬والأوراق‭ ‬ومتطلبات‭ ‬اللحظة،‭ ‬وحيث‭ ‬الرسميات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تمنع‭ ‬حفاوة‭ ‬الاستقبال‭ ‬ولا‭ ‬تبيح‭ ‬سوى‭ ‬بساطة‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬موضوع‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬وحيث‭ ‬وجدنا‭ ‬السيدة‭ ‬وهي‭ ‬على‭ ‬دراية‭ ‬كاملة‭ ‬رغم‭ ‬حداثة‭ ‬العهد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموقع‭ ‬الحساس،‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يجول‭ ‬في‭ ‬خواطرنا،‭ ‬وما‭ ‬يختلج‭ ‬في‭ ‬نفوسنا‭ ‬من‭ ‬رغبة‭ ‬مشتركة‭ ‬للارتقاء‭ ‬بالمنظومة،‭ ‬والدفع‭ ‬بقاربها‭ ‬المتردد‭ ‬نحو‭ ‬إبحار‭ ‬آمن‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬الرياح‭ ‬المضادة‭ ‬أكثر‭ ‬عنفا‭ ‬مما‭ ‬نتمنى،‭ ‬أو‭ ‬الشواطئ‭ ‬اليانعة‭ ‬أبعد‭ ‬مما‭ ‬نتصور‭.‬

التعليم‭ ‬العالي‭ ‬له‭ ‬قضاياه،‭ ‬ولديه‭ ‬من‭ ‬الاعتبارات‭ ‬والخصوصية‭ ‬ما‭ ‬يفوق‭ ‬التصور‭ ‬والخيال،‭ ‬فتحدياته‭ ‬تنبع‭ ‬من‭ ‬داخله،‭ ‬وارتباطاته‭ ‬تمتد‭ ‬إلى‭ ‬خارجه،‭ ‬وواجباته‭ ‬تعيش‭ ‬قربًا‭ ‬أو‭ ‬بعدًا‭ ‬من‭ ‬الجهتين‭.‬

اللقاء‭ ‬مع‭ ‬الدكتورة‭ ‬الشيخة‭ ‬رنا‭ ‬كان‭ ‬مفعمًا‭ ‬بالتفهم‭ ‬والاستجابة،‭ ‬بالتعاون‭ ‬والإيمان‭ ‬بالفكرة،‭ ‬فالاستثمار‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬كان‭ ‬ومازال‭ ‬وسيظل‭ ‬محل‭ ‬اعتبار‭ ‬في‭ ‬المنظومة،‭ ‬وحجر‭ ‬زاوية‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬تفكير،‭ ‬وعمودا‭ ‬فقريا‭ ‬لنشاط‭ ‬اقتصادي‭ ‬مفعم‭ ‬بالرؤى‭ ‬التنويرية،‭ ‬والإرهاصات‭ ‬الفكرية‭ ‬والتحديات‭ ‬الفائقة‭.‬

كنا‭ ‬في‭ ‬المهد‭ ‬مجرد‭ ‬فكرة،‭ ‬جنينا‭ ‬في‭ ‬رحم،‭ ‬بذرة‭ ‬تحت‭ ‬الثرى،‭ ‬وكنا‭ ‬في‭ ‬المهد‭ ‬نحتاج‭ ‬للعون،‭ ‬للسند‭ ‬والعضد،‭ ‬وبالفعل‭ ‬وجدنا‭ ‬كل‭ ‬الدعم‭ ‬والمساندة‭ ‬من‭ ‬عاهل‭ ‬البلاد‭ ‬المفدى‭ ‬حضرة‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه،‭ ‬فجاء‭ ‬المشروع‭ ‬الإصلاحي‭ ‬الكبيرة‭ ‬لجلالته‭ ‬بردًا‭ ‬وسلامًا‭ ‬على‭ ‬المنظومة‭ ‬الأكاديمية‭ ‬بأكملها،‭ ‬عندما‭ ‬تضمن‭ ‬ميثاق‭ ‬العمل‭ ‬الوطني‭ ‬بندًا‭ ‬استراتيجيًا‭ ‬بتأسيس‭ ‬الجامعات‭ ‬الخاصة‭ ‬والأهلية،‭ ‬وعندما‭ ‬بدأ‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬الجامعي‭ ‬الخاص‭ ‬يعثر‭ ‬على‭ ‬ضالته‭ ‬المنشودة‭ ‬بعد‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الانتظار‭ ‬الرهيب‭.‬

جاءت‭ ‬إلى‭ ‬المملكة‭ ‬وخرجت‭ ‬من‭ ‬ثناياها‭ ‬المؤمنة‭ ‬الجامعة‭ ‬بعد‭ ‬الأخرى،‭ ‬والفكرة‭ ‬وراء‭ ‬الفكرة،‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬لدينا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬14‭ ‬جامعة‭ ‬خاصة،‭ ‬جاءت‭ ‬جميعها‭ ‬وانطلقت‭ ‬بعد‭ ‬خروج‭ ‬الجامعة‭ ‬الأهلية‭ ‬قبل‭ ‬نحو‭ ‬20‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬عباءة‭ ‬المشروع‭ ‬الإصلاحي‭ ‬الكبير،‭ ‬أصبح‭ ‬لدينا‭ ‬منظومة‭ ‬يستثمر‭ ‬فيها‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص،‭ ‬ويعثر‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬على‭ ‬الفرصة‭ ‬الآمنة‭ ‬الجديرة،‭ ‬وأصبح‭ ‬لدى‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬نشاط‭ ‬اقتصادي‭ ‬جديد‭ ‬يستطيع‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬تعظيم‭ ‬موارده،‭ ‬وتفعيل‭ ‬إرادته،‭ ‬وتأكيد‭ ‬دوره‭ ‬التنموي‭ ‬الكبير‭.‬

وها‭ ‬نحن‭ ‬اليوم‭ ‬أمام‭ ‬جيل‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬عن‭ ‬مجلس‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬برئاسة‭ ‬سعادة‭ ‬الدكتور‭ ‬ماجد‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬النعيمي‭ ‬وزير‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬ومجلس‭ ‬إدارة‭ ‬مفعم‭ ‬بالوجوه‭ ‬الجديدة‭ ‬الشابة،‭ ‬وبالعقول‭ ‬الجديرة‭ ‬المتحررة،‭ ‬الأمانة‭ ‬العامة‭ ‬لمجلس‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬جاءت‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬بردًا‭ ‬وسلامًا‭ ‬على‭ ‬المنظومة،‭ ‬فالتقينا‭ ‬بالأمين‭ ‬العام‭ ‬السيدة‭ ‬الفاضلة‭ ‬الدكتورة‭ ‬الشيخة‭ ‬رنا‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬بعد‭ ‬أسابيع‭ ‬ربما‭ ‬من‭ ‬تعيينها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموقع‭ ‬الأكاديمي‭ ‬الحساس‭.‬

كان‭ ‬اللقاء‭ ‬ملفوفًا‭ ‬بالود،‭ ‬ملتحفًا‭ ‬بالذكريات‭ ‬عن‭ ‬مجريات‭ ‬أمور،‭ ‬وبالطموحات‭ ‬في‭ ‬غد‭ ‬سعيد،‭ ‬شعرت‭ ‬للوهلة‭ ‬الأولى‭ ‬أننا‭ ‬أمام‭ ‬سيدة‭ ‬تفهم‭ ‬وتدرك‭ ‬أهمية‭ ‬الارتقاء‭ ‬بالتعليم‭ ‬العالي،‭ ‬لديها‭ ‬من‭ ‬الرؤى‭ ‬والإيمان‭ ‬بالشراكة‭ ‬مع‭ ‬أطراف‭ ‬المنظومة‭ ‬ما‭ ‬يجعلنا‭ ‬أشد‭ ‬الاقتناع‭ ‬بأن‭ ‬المرحلة‭ ‬القادمة‭ ‬سوف‭ ‬تشهد‭ ‬عالمًا‭ ‬بحرينيًا‭ ‬أكاديميًا‭ ‬مختلفًا،‭ ‬وأننا‭ ‬رغم‭ ‬قسوة‭ ‬التحديات،‭ ‬وصرامة‭ ‬الواقع،‭ ‬سوف‭ ‬نتمكن‭ ‬بالتعاون‭ ‬والحوار‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬كلمة‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬تحقيق‭ ‬الأمل‭ ‬المنشود‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬هي‭ ‬بوسطن‭ ‬الخليج،‭ ‬هي‭ ‬المركز‭ ‬والمرتكز‭ ‬لجامعات‭ ‬يسعى‭ ‬إليها‭ ‬طلاب‭ ‬المنطقة‭ ‬بأسرها،‭ ‬لا‭ ‬لشيء‭ ‬سوى‭ ‬لأن‭ ‬التنوع‭ ‬الذي‭ ‬تحظى‭ ‬به‭ ‬المنظومة‭ ‬وأعداد‭ ‬الجامعات‭ ‬التي‭ ‬تتمتع‭ ‬بالاعتمادية‭ ‬الأكاديمية‭ ‬والجودة‭ ‬التعليمية،‭ ‬والبرامج‭ ‬المؤكدة‭ ‬والمبرمجة‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬المتعاظمة‭ ‬للمنطقة،‭ ‬ما‭ ‬يجعلنا‭ ‬نؤمن‭ ‬بأننا‭ ‬قاب‭ ‬قوسين‭ ‬أو‭ ‬أدنى‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬نصبح‭ ‬بحق‭ ‬بوسطن‭ ‬الخليج،‭ ‬وأن‭ ‬مشوار‭ ‬الألف‭ ‬ميل‭ ‬الذي‭ ‬يبدأ‭ ‬بخطوة‭ ‬واحدة‭ ‬قد‭ ‬قطعنا‭ ‬فيه‭ ‬شوطًا‭ ‬بعيدًا‭ ‬من‭ ‬التألق‭ ‬والشراكات‭ ‬والتفوق‭ ‬الأكاديمي‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬التقديرات‭ ‬والتزكيات‭ ‬التي‭ ‬حظينا‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ووكالات‭ ‬التصنيف‭ ‬الأكاديمي‭ ‬العالمية‭ ‬مثل‭ ‬“كيو‭ ‬إس”‭ ‬البريطانية‭ ‬والتايمز‭ ‬العالمية‭ ‬وغيرهما‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نقرأ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء‭ ‬الذي‭ ‬أسعدنا‭ ‬مع‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬الجديد‭ ‬لمجلس‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬بشاشة‭ ‬الشراكة‭ ‬المستقبلية،‭ ‬ورونق‭ ‬الجدارة‭ ‬العلمية‭ ‬وهما‭ ‬يلتقيان‭ ‬يدًا‭ ‬بيد‭ ‬وقلبًا‭ ‬على‭ ‬قلب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تعليم‭ ‬أكاديمي‭ ‬أرقى،‭ ‬وجامعات‭ ‬خاصة‭ ‬على‭ ‬أعلى‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬التألق‭ ‬والإبداع‭ ‬والتوغل‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬صنوف‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬الإمكان،‭ ‬والمعرفة‭ ‬العابرة‭ ‬لكل‭ ‬زمان‭ ‬وكل‭ ‬مكان،‭ ‬شكرًا‭ ‬لمنظومتنا‭ ‬الرائدة،‭ ‬متمثلة‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬ولجامعاتنا‭ ‬الفتية،‭ ‬ولحكومتنا‭ ‬الرشيدة‭ ‬وقيادتنا‭ ‬الواعية‭ ‬ولطلابنا‭ ‬الأشداء‭ ‬وهيئاتنا‭ ‬الأكاديمية‭ ‬والإدارية‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬المكانة‭ ‬التي‭ ‬حظينا‭ ‬بها،‭ ‬فإلى‭ ‬الأمام،‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭ ‬أيتها‭ ‬السيدات‭ ‬والسادة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬بوسطن‭ ‬بحرينية‭ ‬فوق‭ ‬مياه‭ ‬الخليج‭ ‬وأي‭ ‬خليج‭.‬