ومضة قلم

فخ الاقتراض

| محمد المحفوظ

ظاهرة‭ ‬الاقتراض‭ ‬في‭ ‬الأعوام‭ ‬الأخيرة‭ ‬باتت‭ ‬مقلقة‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬سبب،‭ ‬وللأسف‭ ‬انها‭ ‬آخذة‭ ‬في‭ ‬التنامي،‭ ‬إنها‭ ‬أشبه‭ ‬بكرة‭ ‬الثلج،‭ ‬نعم‭ ‬إنّ‭ ‬البعض‭ ‬–‭ ‬وهم‭ ‬الفئة‭ ‬الأقل‭ - ‬بحاجة‭ ‬ملحة‭ ‬لتلبية‭ ‬حاجات‭ ‬اضطرارية‭ ‬كالبناء‭ ‬أو‭ ‬الزواج،‭ ‬ولا‭ ‬أعتقد‭ ‬أنّ‭ ‬أحدا‭ ‬يختلف‭ ‬حولها،‭ ‬بيد‭ ‬أنّ‭ ‬الفئة‭ ‬الأخرى‭ ‬لا‭ ‬يستهان‭ ‬بها،‭ ‬أي‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تلجأ‭ ‬للقروض‭ ‬لأغراض‭ ‬ثانوية‭ ‬كإشباع‭ ‬رغبات‭ ‬ثانوية‭ ‬كالسفر‭ ‬أو‭ ‬تماشيا‭ ‬مع‭ ‬الموضة‭ ‬غير‭ ‬عابئة‭ ‬بما‭ ‬تستنزفه‭ ‬من‭ ‬رواتبهم‭ ‬التي‭ ‬تقدر‭ ‬بنصف‭ ‬الراتب‭ ‬أو‭ ‬الثلث،‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬لا‭ ‬تلبي‭ ‬الضرورات‭ ‬المعيشية‭ ‬لهم،‭ ‬ولو‭ ‬أنك‭ ‬سألت‭ ‬أحدهم‭ ‬كيف‭ ‬ستدبر‭ ‬أمورك‭ ‬حتى‭ ‬بقية‭ ‬الشهر‭ ‬لكانت‭ ‬إجابته‭ ‬الجاهزة‭ ‬“يفرجها‭ ‬الله”‭!‬

ربما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬حسن‭ ‬حظ‭ ‬هؤلاء‭ ‬أنّ‭ ‬الجائحة‭ ‬فرضت‭ ‬تأجيل‭ ‬الأقساط‭ ‬لبضعة‭ ‬أشهر،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يعد‭ ‬حلا‭ ‬جذريا‭ ‬بالتأكيد،‭ ‬ذلك‭ ‬أنّ‭ ‬الدين‭ ‬سيبقى‭ ‬هما‭ ‬يقلقهم‭ ‬آناء‭ ‬الليل‭ ‬وأطراف‭ ‬النهار‭. ‬إنّ‭ ‬البنوك‭ ‬المقرضة‭ ‬ليست‭ ‬جمعيات‭ ‬خيرية‭ ‬ولا‭ ‬ترد‭ ‬في‭ ‬بالها‭ ‬معاناة‭ ‬المقترض‭ ‬وما‭ ‬ينوء‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬أعباء،‭ ‬همها‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬استرجاع‭ ‬المبالغ‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الأرباح‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬المحددة،‭ ‬وإلا‭ ‬فإن‭ ‬لديها‭ ‬آلياتها‭ ‬لاسترجاعها‭ ‬بالطرق‭ ‬الأخرى،‭ ‬وهكذا‭ ‬يقع‭ ‬صاحب‭ ‬القرض‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬أشبه‭ ‬بالتقشف‭ ‬الإجباري،‭ ‬والذي‭ ‬قد‭ ‬يجعله‭ ‬محروما‭ ‬من‭ ‬الضروريات‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬الكماليات‭.‬

في‭ ‬حديث‭ ‬للخبير‭ ‬الاقتصادي‭ ‬البحريني‭ ‬عارف‭ ‬خليفة‭ ‬قال‭: ‬إنّ‭ ‬الدين‭ ‬أو‭ ‬القرض‭ ‬عند‭ ‬الضرورة‭ ‬القصوى‭ ‬جدا،‭ ‬فليس‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬يقترضون،‭ ‬وكمثال،‭ ‬المواطن‭ ‬الأوروبي‭ ‬لا‭ ‬يقترض‭ ‬أبدا‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬الحدود‭ ‬الدنيا،‭ ‬ويقدم‭ ‬الباحث‭ ‬عارف‭ ‬مثالا‭ ‬للاقتراض‭: ‬ليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬أن‭ ‬تقتني‭ ‬سيارة‭ ‬عالية‭ ‬الثمن‭ ‬تدفع‭ ‬60‭ % ‬من‭ ‬راتبك،‭ ‬لا‭ ‬يعد‭ ‬هذا‭ ‬تحقيقا‭ ‬للأحلام،‭ ‬إن‭ ‬تحقيق‭ ‬الحلم‭ ‬عندما‭ ‬تدخر‭ ‬وتصرف‭. ‬المأساة‭ ‬أنّ‭ ‬الكثيرين‭ ‬يهدرون‭ ‬الجزء‭ ‬الأكبر‭ ‬على‭ ‬مظاهر‭ ‬استهلاكية‭ ‬وحتى‭ ‬تماشيا‭ ‬مع‭ ‬الأعلى‭ ‬دخلا‭ ‬ماليا‭ ‬واقتصاديا،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يوقعهم‭ ‬في‭ ‬ورطة‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬أي‭ ‬مخرج‭. ‬وهذه‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬رجال‭ ‬الاقتصاد‭ ‬مبالغ‭ ‬ضائعة‭ ‬لأنها‭ ‬بلا‭ ‬عائد‭ ‬أو‭ ‬أنّ‭ ‬المردود‭ ‬استهلاكي‭ ‬محض‭. ‬ويبقى‭ ‬القول‭ ‬إنّ‭ ‬المرحلة‭ ‬الراهنة‭ ‬–‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬–‭ ‬تلزم‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬التفكير‭ ‬بجدية‭ ‬قبل‭ ‬الإقدام‭ ‬على‭ ‬الاقتراض‭ ‬لتجنب‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬هاوية‭ ‬لا‭ ‬قرار‭ ‬لها‭.‬