الإدارة الإستراتيجية منهجا للمستقبل الأمني

| د.عبدالله راشد الشحي

الإدارة‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬والتخطيط‭ ‬الإستراتيجي‭ ‬ركيزة‭ ‬أساسية‭ ‬تعتمد‭ ‬عليها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المنظمات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬سواءً‭ ‬على‭ ‬النطاق‭ ‬الحكومي‭ ‬أو‭ ‬الخاص،‭ ‬وقد‭ ‬اتخذت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬الإدارة‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬والتخطيط‭ ‬الإستراتيجي‭ ‬منهجا‭ ‬علميا‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬تعاملاتها،‭ ‬وقد‭ ‬بدأت‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬تتعمق‭ ‬وتتضح‭ ‬بعد‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬التجارب‭ ‬التي‭ ‬أثبتت‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬نجاعتها‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬المستقبلية،‭ ‬ودون‭ ‬هذه‭ ‬الخطط‭ ‬الإستراتيجية،‭ ‬فإن‭ ‬العمل‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬جودته‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يحرك‭ ‬ساكنا‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يصحبه‭ ‬تخطيط‭ ‬إستراتيجي‭ ‬يضمن‭ ‬له‭ ‬التطور‭ ‬وتحليل‭ ‬الموقف‭ ‬الحالي‭ ‬والمستقبلي،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬التخطيط‭ ‬والإدارة‭ ‬الإستراتيجي‭ ‬مهمة‭ ‬جدا،‭ ‬فلا‭ ‬جودة‭ ‬عمل‭ ‬دون‭ ‬تخطيط‭ ‬دقيق‭ ‬لمعرفة‭ ‬الطريق‭ ‬السليم‭ ‬والسبيل‭ ‬القويم‭ ‬للأداء‭.‬

ولعل‭ ‬أهم‭ ‬المحاور‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالإدارة‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬هو‭ ‬ارتباطها‭ ‬الوثيق‭ ‬بالرؤية‭ ‬المستقبلية‭ ‬والاستشرافية،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬ذلك‭ ‬يمهد‭ ‬لواضعي‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬تحقيق‭ ‬عناصر‭ ‬المبادرة‭ ‬لتفاعل‭ ‬المنظمة‭ ‬مع‭ ‬بيئتها‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬ييسر‭ ‬وضع‭ ‬وصياغة‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬بقدر‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الدقة‭ ‬وتوقع‭ ‬الأحداث‭ ‬المستقبلية‭ ‬والتنبؤ‭ ‬بما‭ ‬ستكون‭ ‬عليه‭ ‬بيئة‭ ‬المنظمة‭ ‬في‭ ‬المستقبل،‭ ‬وهذا‭ ‬كله‭ ‬يصب‭ ‬في‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬التعامل‭ ‬الفعال‭ ‬وتوقع‭ ‬الأحداث‭ ‬المستقبلية‭ ‬وتوفير‭ ‬الضمانات‭ ‬للاستمرار‭ ‬والتطور‭ ‬وتدعيم‭ ‬الرؤية‭ ‬الصائبة‭ ‬عن‭ ‬المعطيات‭ ‬المستقبلية‭ ‬ودقة‭ ‬توقعاتها‭ ‬بما‭ ‬يحقق‭ ‬الأهداف‭ ‬التنموية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬أن‭ ‬الإدارة‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬إحداث‭ ‬التغيير‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬مقاومته‭ ‬وتحسين‭ ‬قدرة‭ ‬المنظمات‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬المشكلات‭ ‬وتحقيق‭ ‬التفاعل‭ ‬البيئي‭ ‬في‭ ‬المدى‭ ‬البعيد‭ ‬وتدعيم‭ ‬الأداء‭ ‬وتحسينه‭.‬

وإذا‭ ‬ما‭ ‬نظرنا‭ ‬بمنظور‭ ‬الإدارة‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الأمني،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الإدارة‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬النجاعة‭ ‬والضرورة‭ ‬القصوى‭ ‬لبناء‭ ‬هيكيلية‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬بقعة‭ ‬من‭ ‬العالم،‭ ‬وذلك‭ ‬لكون‭ ‬عمل‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬عالٍ‭ ‬من‭ ‬الأهمية‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬المجتمعات؛‭ ‬لأنها‭ ‬تمثل‭ ‬صمام‭ ‬الأمان‭ ‬لها،‭ ‬وبنجاح‭ ‬هذه‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬ذلك‭ ‬فإنه‭ ‬لدلاله‭ ‬على‭ ‬التقدم‭ ‬الحضاري،‭ ‬وما‭ ‬إذا‭ ‬نظرنا‭ ‬إلى‭ ‬عمل‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬نجد‭ ‬أنها‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬نمط‭ ‬متشابك‭ ‬من‭ ‬المهام،‭ ‬وتقوم‭ ‬على‭ ‬مكافحة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الجرائم،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬جهودها‭ ‬الحثيثة‭ ‬في‭ ‬غرس‭ ‬قيم‭ ‬الوقاية‭ ‬من‭ ‬الجريمة،‭ ‬والتعامل‭ ‬مع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الثقافات‭ ‬لتعدد‭ ‬التركيبة‭ ‬السكانية‭ ‬الآيديولوجية‭ ‬والثقافية،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬إستراتيجية‭ ‬واضحة‭ ‬ومكتوبة‭ ‬وتقوم‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬علمية‭ ‬سيكون‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬رصد‭ ‬الحالة‭ ‬الراهنة‭ ‬الواقعية‭ ‬لمستويات‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬وتحديد‭ ‬الأهداف‭ ‬المستقبلية‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬غياب‭ ‬جانب‭ ‬تحسين‭ ‬الأداء‭ ‬وتحقيق‭ ‬ما‭ ‬تصبو‭ ‬إليه‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬وفي‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬خفض‭ ‬معدلات‭ ‬الجريمة‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬وبذلك‭ ‬فإن‭ ‬الإدارة‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬والتخطيط‭ ‬الإستراتيجي‭ ‬ضرورة‭ ‬قصوى‭ ‬لبناء‭ ‬هيكلية‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬ومؤسساتها،‭ ‬حيث‭ ‬تضمن‭ ‬الإدارة‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬الفعالة‭ ‬تطوير‭ ‬الكوادر‭ ‬البشرية‭ ‬وتحديد‭ ‬الأهداف‭ ‬بدقة‭ ‬وتوضيح‭ ‬المسارات‭ ‬والسيناريوهات‭ ‬المتبعة‭ ‬لتحقيق‭ ‬تلك‭ ‬الأهداف،‭ ‬إذ‭ ‬تعتبر‭ ‬الإدارة‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬من‭ ‬المنطلقات‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬المستقبل،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬الإدارة‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬تكفل‭ ‬مواجهة‭ ‬المشكلات‭ ‬الإدارية‭ ‬وتحيلها‭ ‬للتحليل‭ ‬ليقوم‭ ‬على‭ ‬أساسها‭ ‬التخطيط‭ ‬الإستراتيجي‭ ‬الذي‭ ‬يضمن‭ ‬التكيف‭ ‬مع‭ ‬التغيرات‭ ‬والمستجدات‭ ‬التي‭ ‬تطرأ‭ ‬في‭ ‬البيئة‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية‭ ‬لأي‭ ‬منظمة‭ ‬أو‭ ‬مؤسسة،‭ ‬ولاسيما‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة‭ ‬هي‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية،‭ ‬والتي‭ ‬هي‭ ‬بالضرورة‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الإستراتيجيات‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬لحساسية‭ ‬عمل‭ ‬هذه‭ ‬الأجهزة‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وللتأكيد‭ ‬على‭ ‬النأي‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬التقليدي‭ ‬للأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬دون‭ ‬رصد‭ ‬وتحليل‭ ‬ومراقبة‭ ‬وقياس‭ ‬أداء،‭ ‬ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق،‭ ‬فإن‭ ‬وضع‭ ‬إستراتيجية‭ ‬إدارية‭ ‬استشرافية‭ ‬شاملة‭ ‬للأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يمكنها‭ ‬من‭ ‬النهوض‭ ‬بمستوى‭ ‬أداء‭ ‬العمل‭ ‬ويحقق‭ ‬المصلحة‭ ‬العليا‭ ‬للمجتمع‭.‬

خاصة‭ ‬أن‭ ‬ربط‭ ‬الإدارة‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬باستشراف‭ ‬المستقبل‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬المحرك‭ ‬الأساسي‭ ‬لإيجاد‭ ‬صيغة‭ ‬تستخدم‭ ‬أدوات‭ ‬فعالة‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬التوجهات‭ ‬والمحركات‭ ‬الدولية‭ ‬والفرص‭ ‬والتحديات‭ ‬المستقبلية‭ ‬ووضع‭ ‬التصورات‭ ‬والحلول‭ ‬الاستباقية‭ ‬لمتغيرات‭ ‬وتطورات‭ ‬الغد‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬علمية،‭ ‬ويمكن‭ ‬القول‭ ‬أن‭ ‬استشراف‭ ‬المستقبل‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬الإدارة‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬هو‭ ‬روح‭ ‬وتقدم‭ ‬الحضارة‭ ‬ومفتاح‭ ‬التنمية‭ ‬وسبيل‭ ‬الرفعة‭ ‬ووسيلة‭ ‬لتقدم‭ ‬المجتمعات‭.‬