مكافحة المخدرات

| د. عبدالقادر ورسمه

الاحتفاء‭ ‬باليوم‭ ‬العالمي‭ ‬لمكافحة‭ ‬المخدرات‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الدول،‭ ‬يمثل‭ ‬علامة‭ ‬بارزة‭ ‬للتذكير‭ ‬بأهمية‭ ‬مكافحة‭ ‬هذه‭ ‬الآفة‭ ‬التي‭ ‬تنخر‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬خاصة‭ ‬وسط‭ ‬الشباب‭ ‬وصغار‭ ‬السن‭. ‬وتعاطي‭ ‬المخدرات،‭ ‬بكافة‭ ‬أشكالها‭ ‬من‭ ‬حشيش‭ ‬وبنقو‭ ‬وشبو‭ ‬وهيروين‭ ‬ومارجوانا‭ ‬مخدرة‭ ‬وكراك‭ ‬كوكايين‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الحبوب‭ ‬والمؤثرات‭ ‬العقلية‭ ‬التي‭ ‬تذهب‭ ‬بالعقل‭ ‬دون‭ ‬رجعة،‭ ‬يعتبر‭ ‬جريمة‭ ‬خطيرة‭ ‬مركبة‭ ‬مزدوجة‭ ‬لأن‭ ‬بسببها‭ ‬تنشأ‭ ‬جرائم‭ ‬أخرى‭. ‬تتبارى‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬اصدار‭ ‬قوانين‭ ‬تحرم‭ ‬وتجرم‭ ‬استعمال‭ ‬وتعاطي‭ ‬وتداول‭ ‬وبيع‭ ‬المخدرات‭ ‬بشتى‭ ‬أنواعها‭ ‬وأشكالها‭. ‬وكذلك‭ ‬هناك‭ ‬المعاهدات‭ ‬والاتفاقيات‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬تدعو‭ ‬للمحاربة‭ ‬الأممية‭ ‬والوقوف‭ ‬بيد‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬هذه‭ ‬الجريمة‭ ‬الشنعاء‭ ‬ووجه‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬دائرتها‭. ‬ولكن،‭ ‬وبكل‭ ‬أسف،‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬خطر‭ ‬الجريمة‭ ‬يمثل‭ ‬“بعبعا”‭ ‬يطل‭ ‬برأسه‭ ‬يوميا،‭ ‬وهذا‭ ‬يقود‭ ‬للمزيد‭ ‬من‭ ‬الإجرام‭ ‬الضار‭ ‬بالمجتمع،‭ ‬وللتفكك‭ ‬الأسري‭ ‬والمشاكل‭ ‬التي‭ ‬تتعرض‭ ‬لها‭ ‬بسبب‭ ‬التعاطي‭ ‬والإدمان،‭ ‬والخسائر‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬تنجم‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الجريمة‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬الإنتاج‭ ‬وضعفه‭ ‬بل‭ ‬انهياره‭ ‬لدى‭ ‬فئات‭ ‬شابة‭ ‬وأياد‭ ‬قوية‭ ‬تحتاج‭ ‬لها‭ ‬المصانع‭ ‬والمزارع‭ ‬والمدارس‭ ‬والقائمة‭ ‬تطول‭. ‬

ونقول،‭ ‬ليس‭ ‬بالقانون‭ ‬وحده‭ ‬تتم‭ ‬السيطرة‭ ‬والمحاربة‭ ‬الكاملة‭ ‬لهذه‭ ‬الجريمة‭. ‬نحتاج‭ ‬للجميع‭ ‬للوقوف‭ ‬معا‭ ‬للمحاربة،‭ ‬نحتاج‭ ‬للبيت‭ ‬والأسرة‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬في‭ ‬الحارة‭ ‬والأزقة،‭ ‬نحتاج‭ ‬للتربية‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬وزرع‭ ‬القيم‭ ‬النبيلة،‭ ‬نحتاج‭ ‬لكل‭ ‬المجتمع‭ ‬لخلق‭ ‬ثقافة‭ ‬مجتمعية‭ ‬تبرز‭ ‬الوجه‭ ‬الأسود‭ ‬لهذه‭ ‬الجريمة‭ ‬الشنيعة‭ ‬ومن‭ ‬يرتبط‭ ‬بها‭ ‬بأي‭ ‬شكل‭ ‬كان‭. ‬نحتاج‭ ‬للتعاون‭ ‬عبر‭ ‬الحدود‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬المجاورة‭ ‬ومع‭ ‬كل‭ ‬العالم‭ ‬شرقه‭ ‬وغربه‭ ‬شماله‭ ‬وجنوبه،‭ ‬نظرًا‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬الجريمة‭ ‬عابرة‭ ‬للدول‭ ‬وللقارات‭ ‬وتدخل‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬دون‭ ‬جواز‭ ‬سفر‭ ‬أو‭ ‬تأشيرة‭ ‬دخول،‭ ‬بل‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬خفاء‭ ‬تام‭ ‬ملفوفة‭ ‬بالسواد‭ ‬النتن‭. ‬وبالطبع،‭ ‬فإن‭ ‬مروجي‭ ‬المخدرات‭ ‬يتعلمون‭ ‬من‭ ‬الأخطاء‭ ‬ويستفيدون‭ ‬منها‭ ‬عبر‭ ‬انتهاج‭ ‬طرق‭ ‬جديدة‭ ‬وبديلة‭ ‬لارتكاب‭ ‬جرائمهم‭ ‬وتوزيع‭ ‬بضاعتهم‭ ‬المخدرة،‭ ‬وهذا‭ ‬بدوره،‭ ‬يتطلب‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الحذر‭ ‬والوعي‭ ‬وتطوير‭ ‬أساليب‭ ‬الكشف‭ ‬والمتابعة‭ ‬والمراقبة‭ ‬والتحريات‭ ‬حتى‭ ‬نقودهم‭ ‬لحتفهم‭ ‬وعقابهم‭ ‬عبر‭ ‬القوانين‭ ‬النافذة‭. ‬

العقاب‭ ‬لجزء‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الفئة،‭ ‬يحتاج‭ ‬لوقفة‭ ‬للمساعدة‭ ‬في‭ ‬تجاوز‭ ‬محيط‭ ‬الجريمة‭ ‬والخروج‭ ‬منها‭ ‬متعافيا‭ ‬سليما‭ ‬تعود‭ ‬بالفائدة‭ ‬للنفس‭ ‬والأسرة‭ ‬والبلد‭. ‬ولذا،‭ ‬ننادي‭ ‬بضرورة‭ ‬الاهتمام‭ ‬بتقديم‭ ‬المعالجة‭ ‬النفسية‭ ‬الصحيحة‭ ‬لكل‭ ‬متعاطي‭ ‬المخدرات‭ ‬وتقديم‭ ‬الدعم‭ ‬المعنوي‭ ‬والعلاجي‭ ‬والنفسي‭ ‬لهم،‭ ‬لأنه‭ ‬اتضح‭ ‬وجود‭ ‬“غشاوة”‭ ‬وعدم‭ ‬وضوح‭ ‬الرؤيا‭ ‬لديهم‭ ‬عند‭ ‬بداية‭ ‬التعاطي،‭ ‬والكثير‭ ‬يقولون‭ ‬هذا‭ ‬ويؤكدونه‭. ‬ومثل‭ ‬هؤلاء‭ ‬يحتاجون‭ ‬للإنقاذ‭ ‬والإرشاد‭ ‬والتوجيه‭ ‬السليم‭ ‬حتى‭ ‬تزول‭ ‬الغشاوة‭ ‬ويرتد‭ ‬إليهم‭ ‬عقلهم‭ ‬ووجدانهم‭ ‬السليم‭. ‬

كما‭ ‬ذكرنا،‭ ‬فإن‭ ‬جرائم‭ ‬المخدرات‭ ‬مركبة‭ ‬مزدوجة،‭ ‬وكمثال،‭ ‬مروجو‭ ‬المخدرات‭ ‬بدورهم‭ ‬يرتكبون‭ ‬جرائم‭ ‬غسل‭ ‬الأموال‭ ‬لتبييض‭ ‬وتنظيف‭ ‬الأموال‭ ‬القذرة‭ ‬الآتية‭ ‬من‭ ‬بيع‭ ‬المخدرات‭ ‬والمتاجرة‭ ‬فيها،‭ ‬وكذلك‭ ‬يرتكبون‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونية‭ ‬السبرانية‭ ‬عبر‭ ‬“الإنترنت‭ ‬الأسود”‭ ‬الذي‭ ‬يقيمونه‭ ‬بأنفسهم‭ ‬لارتكاب‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الجرائم‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الأعين‭ ‬والمراقبة،‭ ‬وهذا‭ ‬يقود‭ ‬لعالم‭ ‬أسود‭ ‬مليء‭ ‬بالإجرام‭ ‬والأعمال‭ ‬المبتذلة‭ ‬الكريهة‭. ‬وعليه،‭ ‬نلاحظ‭ ‬صدور‭ ‬توجهات‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬تحارب‭ ‬جرائم‭ ‬المخدرات‭ ‬وغسل‭ ‬الأموال،‭ ‬وهذه‭ ‬التوجيهات‭ ‬تنادي‭ ‬بتخصيص‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬غرامات‭ ‬عوائد‭ ‬جرائم‭ ‬غسل‭ ‬الأموال،‭ ‬لإنفاقها‭ ‬في‭ ‬علاج‭ ‬متعاطي‭ ‬المخدرات‭ ‬بأفضل‭ ‬السبل‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬فائدة‭ ‬مزدوجة‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬العقاب‭ ‬والإصلاح‭ ‬والتقويم‭ ‬النفسي،‭ ‬وهنا‭ ‬تتمثل‭ ‬روح‭ ‬القانون‭ ‬وفلسفته‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬المجتمع‭. ‬