مُلتقطات

“شارعُ النخيلِ” دون نخيل!

| د. جاسم المحاري

تتوارث‭ ‬الأقوال‭ ‬بين‭ ‬آبائنا‭ ‬عن‭ ‬أجدادنا‭ ‬بأنّ‭ ‬“النخلة”‭ ‬تلك‭ ‬الشجرة‭ ‬الكريمة‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬أفضل‭ ‬الشجر‭ ‬وأطيبه‭ ‬وأحسنه،‭ ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬جعلها‭ ‬الباري‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الكريم‭ ‬مَثَلاً‭ ‬لعبده‭ ‬المؤمن‭ ‬بما‭ ‬تحوزه‭ ‬من‭ ‬فضائل‭ ‬عظيمة‭ ‬وتختّص‭ ‬به‭ ‬عن‭ ‬سائر‭ ‬الشجر‭ ‬بكريم‭ ‬العطاء‭ ‬ورفيع‭ ‬القدر‭ ‬وتنوع‭ ‬الفضائل،‭ ‬في‭ ‬اليانع‭ ‬من‭ ‬الثمار‭ ‬والمتنوع‭ ‬من‭ ‬الخير‭ ‬الذي‭ ‬ينبت‭ ‬في‭ ‬خَصْبِ‭ ‬التُرب‭ ‬بجميل‭ ‬المنظر‭ ‬ولذيد‭ ‬الثمر‭ ‬وكبير‭ ‬المنفعة‭ ‬التي‭ ‬صيّرت‭ ‬علاقته‭ ‬وطيدة‭ ‬ضاربة‭ ‬بعمقها‭ ‬في‭ ‬جذور‭ ‬التاريخ‭ ‬مع‭ ‬الإنسان‭ ‬أثناء‭ ‬تنقله‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬إلى‭ ‬آخر؛‭ ‬طمعاً‭ ‬في‭ ‬عطائها‭ ‬الوفير‭ ‬حين‭ ‬ذروة‭ ‬العلاقة‭ ‬ببداية‭ ‬“الطّلع”‭ ‬المتجدد‭ ‬فيها‭ ‬كلّ‭ ‬عام‭.‬

تجلّى‭ ‬هذا‭ ‬التمازج‭ ‬بين‭ ‬النخلة‭ ‬والإنسان‭ ‬البحريني‭ ‬في‭ ‬وثيق‭ ‬العلاقة‭ ‬التي‭ ‬تربطهما‭ ‬منذ‭ ‬القدم،‭ ‬إلى‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يُوليها‭ ‬اهتمامه‭ ‬ورعايته‭ ‬فتقابله‭ ‬بكبير‭ ‬عطائها‭ ‬بما‭ ‬لذّ‭ ‬وطاب‭ ‬من‭ ‬الثمار‭ ‬التي‭ ‬يُوْدِعُهَا‭ ‬قوتاً‭ ‬له‭ ‬ولأسرته‭ ‬طوال‭ ‬فصول‭ ‬السنة،‭ ‬ويستفيد‭ ‬من‭ ‬سعفها‭ ‬لصنع‭ ‬منتجات‭ ‬حرفية‭ ‬متوارثة‭ ‬بما‭ ‬تُمثله‭ ‬من‭ ‬مردود‭ ‬إضافي‭ ‬له‭ ‬ورافد‭ ‬سلعي‭ ‬للأسواق‭ ‬خلال‭ ‬رحلة‭ ‬العطاء‭ ‬السنوية‭ ‬التي‭ ‬تُستهل‭ ‬بمرحلة‭ ‬“التنبيت”‭ ‬أي‭ ‬التلقيح،‭ ‬وتنتهي‭ ‬بمرحلة‭ ‬“الخَرَافْ”‭ ‬أي‭ ‬الجني‭ ‬بهدف‭ ‬التخزين‭ ‬أو‭ ‬البيع‭ ‬أو‭ ‬الأكل‭ ‬في‭ ‬موسم‭ ‬الشتاء‭. ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬المتكررة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬سنة؛‭ ‬تسترجع‭ ‬ذكرياتها‭ ‬عند‭ ‬كل‭ ‬بحريني‭ ‬إلى‭ ‬“شارع‭ ‬النخيل”‭ ‬الشهير‭ ‬الذي‭ ‬يربط‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القرى‭ ‬في‭ ‬المحافظة‭ ‬الشمالية،‭ ‬باعتباره‭ ‬واحدا‭ ‬من‭ ‬الشوارع‭ ‬التي‭ ‬اكتسبت‭ ‬شهرة‭ ‬بين‭ ‬القاطنين‭ ‬–‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬أو‭ ‬العابرين‭ ‬–‭ ‬بكثافة‭ ‬أشجار‭ ‬النخيل‭ ‬وتنّوع‭ ‬ثمارها‭ ‬بين‭ ‬ضفتيه‭ ‬على‭ ‬امتداده‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬أطراف‭ ‬غرب‭ ‬محافظة‭ ‬العاصمة‭ ‬حتى‭ ‬شمال‭ ‬غرب‭ ‬المحافظة‭ ‬الشمالية‭.‬

هذا‭ ‬الشارع‭ ‬الذي‭ ‬ينال‭ ‬حظّه‭ ‬من‭ ‬التطوير‭ - ‬بين‭ ‬الفنية‭ ‬والأخرى‭ - ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬عكفتْ‭ ‬وزارة‭ ‬الأشغال‭ ‬وشؤون‭ ‬البلديات‭ ‬والتخطيط‭ ‬العمراني‭ ‬على‭ ‬تنفيذ‭ ‬خدمات‭ ‬البُنَى‭ ‬التحية‭ ‬وإجراء‭ ‬التحسينات‭ ‬على‭ ‬شبكات‭ ‬الصرف‭ ‬الصحي‭ ‬وزيادة‭ ‬طاقتها‭ ‬الاستيعابية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إنشاء‭ ‬محطتي‭ ‬الضخ‭ ‬وإنشاء‭ ‬الخطوط‭ ‬الرئيسية‭ ‬الناقلة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المشروعات‭ ‬التي‭ ‬تلبي‭ ‬احتياجات‭ ‬وتطلعات‭ ‬المواطنين‭ ‬والمقيمين‭ ‬وتقديم‭ ‬أفضل‭ ‬الخدمات‭ ‬من‭ ‬جانب،‭ ‬إلا‭ ‬أنّه‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬شهد‭ ‬تراجعاً‭ ‬مطرداً‭ ‬–‭ ‬وفق‭ ‬التقارير‭ ‬الرسمية‭ ‬–‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬المسطحات‭ ‬التجميلية‭ ‬والمساحات‭ ‬الخضراء‭ ‬نتيجة‭ ‬حركة‭ ‬التّقطيع‭ ‬والتوسع‭ ‬العمراني،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬زيادة‭ ‬ملوحة‭ ‬التربة‭ ‬والمياه‭ ‬العذبة‭ ‬وتراجع‭ ‬وتيرة‭ ‬التشجير؛‭ ‬حتى‭ ‬استبدل‭ ‬الأهالي‭ ‬تسميته‭ ‬إلى‭ ‬“شارع‭ ‬العمارات”‭ ‬عوضاً‭ ‬عن‭ ‬“شارع‭ ‬النخيل”‭. ‬“المقال‭ ‬كاملا‭ ‬في‭ ‬الموقع‭ ‬الإلكتروني”‭.‬