مصلحونَ أفظاظ

| هدى حرم

بالنسبة‭ ‬لهم،‭ ‬أنتَ‭ ‬منحرفٌ‭ ‬عن‭ ‬جادةِ‭ ‬الصواب،‭ ‬ومُقصِّرٌ‭ ‬وجاهل‭ ‬في‭ ‬تعاملاتك‭ ‬وفي‭ ‬أداء‭ ‬الفرائض‭ ‬والسنن،‭ ‬همُ‭ ‬المؤمنون‭ ‬حقاً،‭ ‬وأنتَ‭ ‬الملحدُ‭ ‬الوحيد،‭ ‬ولابد‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬إصلاحكَ‭ ‬وتأهليك‭ ‬حتى‭ ‬تعودَ‭ ‬لجادةِ‭ ‬الصواب،‭ ‬مع‭ ‬أنك‭ ‬تُؤدي‭ ‬فروضَ‭ ‬دينك‭ ‬كما‭ ‬يجب،‭ ‬لا‭ ‬كما‭ ‬يريدون،‭ ‬إلا‭ ‬أنهم‭ ‬يجدونك‭ ‬قاصر‭ ‬المعرفة،‭ ‬ويبالغون‭ ‬في‭ ‬تقريعك‭ ‬على‭ ‬رؤوس‭ ‬الأشهاد‭ ‬بحجة‭ ‬النصح‭ ‬والإرشاد،‭ ‬فلو‭ ‬كان‭ ‬نبيُ‭ ‬الرحمة‭ ‬محمد‭ (‬ص‭) ‬دعا‭ ‬الناس‭ ‬لدين‭ ‬الحق‭ ‬بالقوة‭ ‬والإجبار‭ ‬والغلظة،‭ ‬لما‭ ‬دانَ‭ ‬له‭ ‬البشرُ‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬مِصرٍ‭ ‬وقطْر؛‭ ‬فكسبَ‭ ‬بذلك‭ ‬قلوبَ‭ ‬الملأ،‭ ‬حتى‭ ‬دخلت‭ ‬العشائرُ‭ ‬والقبائل‭ ‬المتناحرةُ‭ ‬زماناً‭ ‬تحت‭ ‬راية‭ ‬الإسلام‭ ‬وحِما‭ ‬محمد‭.‬

من‭ ‬أين‭ ‬جاءنا‭ ‬هؤلاء‭ ‬المغالونَ‭ ‬في‭ ‬ممارسةِ‭ ‬الدين،‭ ‬ليَسِمونا‭ ‬بوسمِ‭ ‬أهلِ‭ ‬النار‭ ‬ويَسِموا‭ ‬أنفسَهم‭ ‬بوسمِ‭ ‬الصالحين‭ ‬وأهل‭ ‬جنةِ‭ ‬النعيم؟‭ ‬أوليس‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬العُجْبِ‭ ‬والكِبْر‭ ‬الذي‭ ‬ينهى‭ ‬عنه‭ ‬الدين‭ ‬ويوجبُ‭ ‬الحرمان‭ ‬من‭ ‬الجنة؟‭ ‬أوليس‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬السخرية‭ ‬بالعامة‭ ‬والاستهزاءِ‭ ‬بهم‭ ‬على‭ ‬الملأ،‭ ‬حين‭ ‬يُنْهرونَ‭ ‬بشدة‭ ‬لأنهم‭ ‬أخطأوا‭ ‬أثناء‭ ‬التلاوة،‭ ‬أو‭ ‬أنهم‭ ‬سألوا‭ ‬مسألةً‭ ‬شرعية‭ ‬لا‭ ‬يخفى‭ ‬جوابها‭ ‬على‭ ‬الأعم‭ ‬الأغلب؟

وإن‭ ‬كانت‭ ‬نوايا‭ ‬هؤلاء‭ ‬خيِّرة‭ ‬حين‭ ‬يوجهونَ‭ ‬النصيحةَ‭ ‬لغيرهم‭ ‬ابتغاءً‭ ‬لوجه‭ ‬الله‭ ‬ولهداية‭ ‬الغيرِ‭ ‬للخير،‭ ‬فلابد‭ ‬أن‭ ‬تتوفر‭ ‬شروط‭ ‬للنصيحة‭ ‬إن‭ ‬تجاهلوها‭ ‬أصبحت‭ ‬أمراً‭ ‬منفراً‭ ‬يثير‭ ‬الضغائن‭ ‬في‭ ‬النفوس،‭ ‬ويُولِّدُ‭ ‬الكِبرَ‭ ‬والعناد‭ ‬من‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر؛‭ ‬فيكون‭ ‬تأثيرها‭ ‬سلبياً‭ ‬على‭ ‬النفس،‭ ‬بالخصوص‭ ‬حين‭ ‬يجاهرُ‭ ‬الناصحُ‭ ‬بالنصح‭ ‬والإرشاد‭ ‬فيُوقِعُ‭ ‬الغير‭ ‬في‭ ‬الحرج،‭ ‬حين‭ ‬يكشفُ‭ ‬عورةَ‭ ‬من‭ ‬ينصح‭ ‬ويُظهر‭ ‬أخطاءه‭ ‬للملأ،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬استعمال‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬منُ‭ ‬الناصحين‭ ‬أسلوب‭ ‬التخويفِ‭ ‬والترهيب‭ ‬المفضي‭ ‬إلى‭ ‬النفور‭ ‬وعدم‭ ‬الرغبةِ‭ ‬في‭ ‬الاستماعِ‭ ‬للنصيحة،‭ ‬كما‭ ‬وينبغي‭ ‬للناصح‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مُخلصاً‭ ‬في‭ ‬النصح،‭ ‬يبتغي‭ ‬بذلك‭ ‬وجه‭ ‬الله،‭ ‬لا‭ ‬التعالي‭ ‬والترفع‭ ‬على‭ ‬الآخرين،‭ ‬واتباعِ‭ ‬أسلوب‭ ‬التعنيفِ‭ ‬والتشدد‭. ‬أخيراً،‭ ‬فإن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬النصيحة‭ ‬بعلمٍ‭ ‬وبيانٍ‭ ‬وحجة؛‭ ‬فتلك‭ ‬مصيبةٌ‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬ومدعاةٌ‭ ‬للفتن،‭ ‬فَإِن‭ ‬تعدَّى‭ ‬الناصحُ‭ ‬المُصلحُ‭ ‬هَذِه‭ ‬الْوُجُوه‭ ‬فَهو‭ ‬ظَالِمٌ‭ ‬لَا‭ ‬نَاصح‭.‬

كلُنا‭ ‬قاصرٌ‭ ‬عن‭ ‬تطبيق‭ ‬تعاليم‭ ‬الشريعة‭ ‬بأدقِ‭ ‬حذافيرها،‭ ‬وقد‭ ‬آنَ‭ ‬لهؤلاء‭ ‬المغالين‭ ‬في‭ ‬النصح‭ ‬أن‭ ‬يكفُّوا‭ ‬عن‭ ‬تشكيك‭ ‬الناس‭ ‬بالتزامهم‭ ‬بالنهج‭ ‬القويم‭. ‬الأمرُ‭ ‬بالمعروف‭ ‬والنهيُ‭ ‬عن‭ ‬المنكرِ‭ ‬واجبٌ‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬مسلم‭ ‬ومسلمة،‭ ‬لا‭ ‬حكرٌ‭ ‬على‭ ‬فئةٍ،‭ ‬آمِروا‭ ‬بالخير‭ ‬وانْهَوا‭ ‬عن‭ ‬المنكر،‭ ‬ولا‭ ‬تُلبِسوا‭ ‬الحقَ‭ ‬بالباطل‭ ‬وأنتم‭ ‬تعلمون‭.‬