زبدة القول

الكمال لله وحده

| د. بثينة خليفة قاسم

“حياة‭ ‬كل‭ ‬إنسان‭ ‬تساوي‭ ‬واحدا‭ ‬صحيحا”،‭ ‬مقولة‭ ‬لا‭ ‬أنساها‭ ‬أبداً‭ ‬كلما‭ ‬هاجمني‭ ‬الضعف‭ ‬الإنساني‭ ‬وتلبدت‭ ‬سمائي‭ ‬بالغيوم،‭ ‬فهي‭ ‬عبارة‭ ‬تكبح‭ ‬النفس‭ ‬البشرية‭ ‬الساعية‭ ‬دوماً‭ ‬للمزيد،‭ ‬الناظرة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬أيدي‭ ‬الناس،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تشبع‭ ‬مهما‭ ‬أوتيت‭ ‬من‭ ‬مال‭ ‬ومكانة،‭ ‬وصدق‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬الذي‭ ‬قال‭ ‬“لو‭ ‬كان‭ ‬لابن‭ ‬آدم‭ ‬جبلان‭ ‬من‭ ‬ذهب‭ ‬لتمنى‭ ‬الثالث”،‭ ‬فصاحب‭ ‬المليار‭ ‬يريد‭ ‬مليارين،‭ ‬وصاحب‭ ‬المليارين‭ ‬يريد‭ ‬أربعة،‭ ‬ومن‭ ‬لم‭ ‬يرزقه‭ ‬الله‭ ‬بالذرية‭ ‬يقول‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬أعطاني‭ ‬ولدا‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الولد‭ ‬“مخبولاً”‭ ‬أو‭ ‬فاسداً،‭ ‬ومن‭ ‬لديه‭ ‬الأولاد‭ ‬والبنات‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يشكر‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬النعمة‭!‬

الشعور‭ ‬بالنقص‭ ‬دوماً‭ ‬سمة‭ ‬إنسانية‭ ‬ثابتة‭ ‬لا‭ ‬تتغير‭ ‬أبداً،‭ ‬فقد‭ ‬تكون‭ ‬للإنسان‭ ‬أمنية‭ ‬أو‭ ‬حلمٌ‭ ‬يسعى‭ ‬لتحقيقه‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ما،‭ ‬فما‭ ‬إن‭ ‬يتحقق‭ ‬هذا‭ ‬الحلم‭ ‬حتى‭ ‬ينتاب‭ ‬النفس‭ ‬إحساس‭ ‬جديد‭ ‬بالنقص‭ ‬الذي‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬رغبة‭ ‬أو‭ ‬حلم‭ ‬جديد‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬تحقيقه‭. ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬الفقير‭ ‬الذي‭ ‬يتناول‭ ‬طعاماً‭ ‬بسيطاً‭ ‬ويلبس‭ ‬ثياباً‭ ‬بسيطة‭ ‬له‭ ‬صحة‭ ‬وبناء‭ ‬جسدي‭ ‬يتمناه‭ ‬القادة‭ ‬العسكريون،‭ ‬إذا‭ ‬مرض‭ ‬يشفيه‭ ‬قرص‭ ‬من‭ ‬الأسبرين‭ ‬أو‭ ‬بصلة‭ ‬صغيرة‭ ‬تقتل‭ ‬ما‭ ‬أصابه‭ ‬من‭ ‬ميكروبات،‭ ‬وإذا‭ ‬آوى‭ ‬إلى‭ ‬فراشه‭ ‬ينام‭ ‬نوماً‭ ‬لا‭ ‬تقدر‭ ‬على‭ ‬فعله‭ ‬كل‭ ‬مهدئات‭ ‬العالم،‭ ‬هذا‭ ‬الفقير‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬له‭ ‬قدرة‭ ‬جنسية‭ ‬لو‭ ‬علمها‭ ‬علية‭ ‬القوم‭ ‬لجالدوه‭ ‬عليها‭ ‬بالسيوف‭. ‬

هذا‭ ‬الرجل‭ ‬ذو‭ ‬المال‭ ‬الوفير،‭ ‬والذرية‭ ‬الناجحة،‭ ‬الوجيه‭ ‬الذي‭ ‬يبتسم‭ ‬له‭ ‬الجميع‭ ‬ويهزون‭ ‬له‭ ‬الرؤوس،‭ ‬عندما‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬ذلك‭ ‬الفقير،‭ ‬يعود‭ ‬مهزوماً‭ ‬كالمغلوب‭ ‬حسب‭ ‬تعبير‭ ‬الشاعر‭ ‬الكبير‭ ‬نزار‭ ‬قباني،‭ ‬هو‭ ‬غني‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬ويستطيع‭ ‬حسب‭ ‬تعبير‭ ‬نزار‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬يعشق‭ ‬كل‭ ‬نساء‭ ‬الأرض‭ ‬ولكن‭ ‬دون‭ ‬جدوى‭.‬

كل‭ ‬هذه‭ ‬الأمثلة‭ ‬تؤكد‭ ‬شيئاً‭ ‬واحداً‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬أبداً‭ ‬أن‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬فلابد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬نقص‭ ‬يسعى‭ ‬دوماً‭ ‬إلى‭ ‬إكماله،‭ ‬والسعي‭ ‬إلى‭ ‬إكمال‭ ‬النقص‭ ‬ليس‭ ‬بالشيء‭ ‬المعيب،‭ ‬لأنه‭ ‬يجعل‭ ‬الإنسان‭ ‬يستمر‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬ويمارسها،‭ ‬لكن‭ ‬الشيء‭ ‬الضار‭ ‬الذي‭ ‬يدمر‭ ‬الإنسان‭ ‬هو‭ ‬عدم‭ ‬الرضا‭ ‬بالحال‭ ‬التي‭ ‬هو‭ ‬عليها‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬نقص‭ ‬حتمي‭.‬