حين تموت أم الرجال

| محمد العثمان

الفقد‭ ‬أشد‭ ‬ما‭ ‬يعانيه‭ ‬أهل‭ ‬الأرض،‭ ‬الفقد‭ ‬فجيعةُ‭ ‬الأحياء‭ ‬بموت‭ ‬الأحبة،‭ ‬في‭ ‬الفقد‭ ‬ذهول‭ ‬واغتراب،‭ ‬وحشة‭ ‬وندم‭ ‬وحسرة،‭ ‬كآبة‭ ‬وضيق‭ ‬نفس‭.. ‬ومشاعر‭ ‬أخرى‭ ‬لا‭ ‬تبقى‭ ‬محبوسة‭ ‬في‭ ‬الصدر‭ ‬بل‭ ‬تخرج‭ ‬في‭ ‬أشكال‭ ‬من‭ ‬الانكسارات‭/ ‬النوبات‭ ‬الفجائية‭ ‬الحزينة‭ ‬أو‭ ‬تغييرات‭ ‬تطرأ‭ ‬على‭ ‬شخصية‭ ‬الفاقد‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭.‬

في‭ ‬الموت،‭ ‬تجد‭ ‬ذاك‭ ‬الإنسان‭ ‬الغافل‭ ‬ينتبه‭ ‬من‭ ‬غفلته‭ ‬وأحيانًا‭ ‬أخرى‭ ‬تجده‭ ‬تائها‭ ‬في‭ ‬الطرقات‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬سبيل‭ ‬آخر‭ ‬ينتشله‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬الفقد‭ ‬التي‭ ‬يعيشها،‭ ‬ظنًا‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬ينجيه‭ ‬من‭ ‬واقعه‭ ‬–‭ ‬وهو‭ ‬مخطئ‭ ‬بلا‭ ‬ريب‭ ‬–‭ ‬إذ‭ ‬ينسى‭ ‬“أو‭ ‬يكون‭ ‬غير‭ ‬مؤمن‭ ‬حقيقي”‭ ‬بأن‭ ‬الفقد‭ ‬هو‭ ‬قدر‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬الخلق‭ ‬جميعًا‭.. ‬بما‭ ‬فيهم‭ ‬الفاقد‭ ‬نفسه؛‭ ‬اليوم‭ ‬فاقد‭ ‬وغدًا‭ ‬مفقود،‭ ‬فالأولى‭ ‬بالفاقد‭ ‬الاستعداد‭ ‬لرحلة‭ ‬الفقد،‭ ‬فالحقيقة‭ ‬القائمة‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ ‬مجرد‭ ‬عارض‭ ‬في‭ ‬أعمارنا‭ ‬الأبدية‭.‬

فقدت‭ ‬مدينة‭ ‬البديع‭ ‬في‭ ‬الشهر‭ ‬الفائت‭ ‬السيدة‭ ‬الفاضلة،‭ ‬عزيزة‭ ‬قومها‭ ‬مريم‭ ‬بنت‭ ‬فضل‭ ‬الحميدي،‭ ‬أم‭ ‬الرجال‭ ‬إبراهيم،‭ ‬راشد،‭ ‬عادل،‭ ‬جمال،‭ ‬خليل،‭ ‬خالد،‭ ‬عيسى‭ ‬وأحمد‭ ‬–‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬–‭ ‬وقبل‭ ‬ذلك‭ ‬هي‭ ‬أرملة‭ ‬المرحوم‭ ‬مبارك‭ ‬بن‭ ‬خليل‭ ‬الشرقي‭ ‬الدوسري،‭ ‬وفقدت‭ ‬مدينة‭ ‬المحرق‭ ‬في‭ ‬الأسبوع‭ ‬الفائت‭ ‬السيدة‭ ‬الفاضلة‭ ‬ذات‭ ‬التاريخ‭ ‬العتيد،‭ ‬في‭ ‬أهلها‭ ‬وفريجها‭ ‬أرملة‭ ‬المرحوم‭ ‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬إبراهيم‭ ‬الحادي‭ ‬وأم‭ ‬الرجال‭ ‬إبراهيم،‭ ‬أحمد‭ ‬وعبدالله‭.‬

الفقيدتان‭ ‬تركتا‭ ‬ميراثا‭ ‬لأجيال‭ ‬لاحقة‭ ‬تذكرهما‭ ‬بالخير،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الميراث‭ ‬الحقيقي‭ ‬للإنسان‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ ‬الدنيا‭. ‬نحن‭ ‬نفقد‭ ‬الأجساد‭ ‬التي‭ ‬ترحل‭ ‬عن‭ ‬عالمنا،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬نشعر‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬ألم‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬فراق‭ ‬الأرواح‭ ‬الساكنة‭ ‬أرواحنا،‭ ‬فلا‭ ‬عجب‭ ‬أن‭ ‬نعيش‭ ‬ونجدد‭ ‬ذكراهم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬وقت‭ ‬وحين‭.‬

حين‭ ‬تموت‭ ‬أم‭ ‬الرجال‭ ‬تشاهد‭ ‬علامات‭ ‬الفقد‭ ‬في‭ ‬ملامحهم،‭ ‬حين‭ ‬تموت‭ ‬أم‭ ‬الرجال‭ ‬يُكسر‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬الرجل‭ ‬منهم‭ ‬شيء‭ ‬لا‭ ‬تجبره‭ ‬ملذات‭ ‬الحياة‭ ‬طولاً‭ ‬وعرضًا،‭ ‬ولا‭ ‬أطيل‭ ‬عليك‭ ‬عزيزي‭ ‬القارئ‭ ‬لأنك‭ ‬لابد‭ ‬وقد‭ ‬لاحظت‭ ‬ذلك‭ ‬أو‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬جربته‭ ‬بنفسك‭. ‬اللهم‭ ‬أنزل‭ ‬عليهن‭ ‬شآبيب‭ ‬رحمتك‭ ‬وعزائم‭ ‬مغفرتك،‭ ‬وجبر‭ ‬الله‭ ‬مصابكم‭ ‬يا‭ ‬رجال‭.‬