سوالف

فقدوا البصر.. لكنهم مبدعون

| أسامة الماجد

قبل‭ ‬أيام‭ ‬توفي‭ ‬الشاب‭ ‬الضرير‭ ‬علي‭ ‬عبدالرضا‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬مشهورا‭ ‬بمقدرته‭ ‬الفائقة‭ ‬على‭ ‬العزف‭ ‬على‭ ‬آلة‭ ‬الناي‭ ‬أمام‭ ‬المحلات‭ ‬التجارية‭ ‬والمعارض‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬مناطق‭ ‬المملكة،‭ ‬ورغم‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬ضريرا‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬صاحب‭ ‬موهبة‭ ‬فذة‭ ‬وروح‭ ‬مرحة‭ ‬لم‭ ‬تستسلم‭ ‬لليأس‭ ‬أبدا،‭ ‬عاش‭ ‬في‭ ‬صمت‭ ‬ولم‭ ‬يجعل‭ ‬العراقيل‭ ‬وفقدان‭ ‬البصر‭ ‬يدفن‭ ‬إمكانياته‭ ‬وموهبته‭ ‬وأصبح‭ ‬بحق‭ ‬الصديق‭ ‬والفنان‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينسى‭.‬

كثيرون‭ ‬هم‭ ‬المبدعون‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ ‬الذين‭ ‬فقدوا‭ ‬البصر‭ ‬ولكنهم‭ ‬اعتلوا‭ ‬قمة‭ ‬النجاح‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بفضل‭ ‬إصرارهم‭ ‬وعنادهم،‭ ‬ومن‭ ‬أشهر‭ ‬الأسماء‭ ‬الأديبة‭ ‬الكاتبة‭ ‬الأميركية‭ ‬هيلين‭ ‬كيلر‭ ‬التي‭ ‬توفيت‭ ‬قبل‭ ‬53‭ ‬عاما،‭ ‬والتي‭ ‬استطاعت‭ ‬بالتحدي‭ ‬والإصرار‭ ‬والطموح‭ ‬خرق‭ ‬السماء‭ ‬بهامتها‭ ‬ووصلت‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬وصلت‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬شهرة‭ ‬ومكانة،‭ ‬حتى‭ ‬أنها‭ ‬قرأت‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬أکثر‭ ‬مما‭ ‬قرأ‭ ‬أي‭ ‬إنسان‭ ‬آخر‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬مبصرا،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬كتبت‭ ‬عدة‭ ‬كتب‭ ‬بنفسها،‭ ‬وجعلت‭ ‬من‭ ‬حياتها‭ ‬لوحة‭ ‬جميلة‭ ‬رائعة‭ ‬مع‭ ‬أنها‭ ‬صماء‭.‬

ترعرت‭ ‬هيلن‭ ‬كيلر‭ ‬وحيدة‭ ‬كحيوان‭ ‬متوحش‭ ‬في‭ ‬غابة‭ ‬مهجورة‭ ‬وكانت‭ ‬تحطم‭ ‬كل‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬لا‭ ‬تروقها،‭ ‬ولما‭ ‬يئس‭ ‬أبواها‭ ‬أرسلاها‭ ‬إلى‭ ‬أحد‭ ‬المعاهد‭ ‬الخاصة‭ ‬بالعميان‭ ‬وخصصا‭ ‬لها‭ ‬معلمة،‭ ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬المعلمة‭ ‬ملاكا‭ ‬من‭ ‬نور‭ ‬دخل‭ ‬حياتها‭ ‬المظلمة‭ ‬ليضيء‭ ‬لها‭ ‬السبيل‭ ‬كما‭ ‬يخبرنا‭ ‬دال‭ ‬كارنيغي‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬كيف‭ ‬نجح‭ ‬هؤلاء‭ ‬بالحياة‭.‬

عندما‭ ‬بلغت‭ ‬هيلين‭ ‬كيلر‭ ‬العشرين‭ ‬من‭ ‬عمرها،‭ ‬كانت‭ ‬ثقافتها‭ ‬قد‭ ‬تقدمت‭ ‬كثيرا‭ ‬وكانت‭ ‬أول‭ ‬جملة‭ ‬تعودت‭ ‬نطقها‭ ‬هي‭ ‬“الآن‭ ‬لم‭ ‬أعد‭ ‬خرساء”،‭ ‬وظلت‭ ‬طويلا‭ ‬ترددها‭ ‬منتشية‭ ‬بفرحة‭ ‬لا‭ ‬توصف،‭ ‬ويعتقد‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬أقسى‭ ‬مأساة‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الإنسان‭ ‬أعمى،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فهلين‭ ‬كيلر‭ ‬كانت‭ ‬تقول‭ ‬إنها‭ ‬لا‭ ‬تتألم‭ ‬إطلاقا‭ ‬من‭ ‬صمها‭ ‬أو‭ ‬عماها‭ ‬أو‭ ‬بكمها،‭ ‬وان‭ ‬شيئا‭ ‬وحيدا‭ ‬ينقصها‭ ‬في‭ ‬الظلام‭ ‬والصمت‭ ‬اللذين‭ ‬تحياهما،‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬الرنة‭ ‬الصادقة‭ ‬لصوت‭ ‬إنسان‭ ‬محب‭. ‬

إن‭ ‬المثل‭ ‬الذي‭ ‬قدمته‭ ‬لنا‭ ‬حالة‭ ‬هيلين‭ ‬كيلر‭ ‬لهو‭ ‬مثل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬باستطاعة‭ ‬المرء‭ ‬إذا‭ ‬سار‭ ‬باتجاه‭ ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬يتخطى‭ ‬المعقول‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬المرئيات‭ ‬والمحسوسات،‭ ‬وذلك‭ ‬بالإرادة‭ ‬المصممة‭ ‬المنتجة‭.‬

مات‭ ‬علي‭ ‬عبدالرضا‭ ‬ولكنه‭ ‬أعطانا‭ ‬حدثا‭ ‬ودرسا‭ ‬مهما‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭.‬