ياسمينيات

أطباء المستقبل

| ياسمين خلف

قبل‭ ‬بضع‭ ‬سنين،‭ ‬هاتفتني‭ ‬طبيبة‭ ‬تبكي‭ ‬حُرقة‭ ‬على‭ ‬ابنتها‭ ‬التي‭ ‬رغم‭ ‬تفوقها،‭ ‬وحصولها‭ ‬على‭ ‬نسبة‭ ‬100‭ % ‬في‭ ‬الثانوية‭ ‬العامة،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬بعثة‭ ‬دراسية‭ ‬تخولها‭ ‬لدراسة‭ ‬الطب‭! ‬وكان‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تتكبد‭ ‬المصاريف‭ ‬العالية‭ ‬لتدريسها‭ ‬على‭ ‬نفقتها‭ ‬الخاصة،‭ ‬والاقتراض‭ ‬لتحقق‭ ‬حلم‭ ‬ابنتها‭ ‬الذي‭ ‬سعت‭ ‬بكل‭ ‬اجتهاد‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬إليه‭ ‬عبر‭ ‬تفوقها‭ ‬العالي‭.‬

للأسف،‭ ‬هناك‭ ‬نماذج‭ ‬كثيرة‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الطالبة‭! ‬وإن‭ ‬تمكن‭ ‬بعض‭ ‬الأهالي‭ ‬من‭ ‬الاقتراض‭ ‬والاستدانة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬بيع‭ ‬بيت‭ ‬العمر‭ ‬لتوفير‭ ‬مصاريف‭ ‬الدراسة‭ ‬لأحد‭ ‬أبنائها،‭ ‬فهناك‭ ‬على‭ ‬الضفة‭ ‬الأخرى‭ ‬شريحة‭ ‬عريضة‭ ‬من‭ ‬الأهالي‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬حول‭ ‬لهم‭ ‬ولا‭ ‬قوة‭ ‬سوى‭ ‬إقناع‭ ‬ابنهم‭ ‬أو‭ ‬ابنتهم‭ ‬المتفوقة‭ ‬بقبول‭ ‬أي‭ ‬تخصص‭ ‬آخر‭ ‬لنيل‭ ‬شهادة‭ ‬جامعية‭ ‬والسلام‭! ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬مخالفاً‭ ‬لرغبتهم‭ ‬وميولهم،‭ ‬ولكنه‭ ‬أفضل‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬من‭ ‬البقاء‭ ‬بدون‭ ‬دراسة‭ ‬جامعية‭. ‬

هناك‭ ‬طلبة‭ ‬متفوقون‭ ‬ويتمنون‭ ‬دراسة‭ ‬الطب‭ ‬ويحول‭ ‬بينهم‭ ‬وبين‭ ‬تحقيق‭ ‬هذه‭ ‬الأمنية‭ ‬شح‭ ‬عدد‭ ‬البعثات‭ ‬والمنح‭ ‬المخصصة‭ ‬لدراسة‭ ‬الطب‭ ‬سنوياً،‭ ‬والتي‭ ‬تعتبر‭ ‬قليلة‭ ‬جداً‭ ‬مقارنة‭ ‬بعدد‭ ‬المتفوقين‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬البحرينية‭ ‬والراغبين‭ ‬فعلاً‭ ‬بدراسة‭ ‬الطب‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬تخصصاته‭! ‬فيضطر‭ ‬الكثير‭ ‬منهم‭ ‬إلى‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬حُلمه‭ ‬ورغبته‭ ‬مرغماً،‭ ‬والاتجاه‭ ‬لدراسة‭ ‬أي‭ ‬تخصص‭ ‬آخر،‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬بعيداً‭ ‬تمام‭ ‬البُعد‭ ‬عن‭ ‬دراسة‭ ‬الطب،‭ ‬فيخسر‭ ‬نفسه‭.‬

بعد‭ ‬اختبار‭ ‬أزمة‭ ‬كورونا،‭ ‬على‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬التنسيق‭ ‬بشكل‭ ‬عاجل‭ ‬وجاد‭ ‬مع‭ ‬وزارة‭ ‬الصحة،‭ ‬لبحث‭ ‬مدى‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬الطلبة‭ ‬المتفوقين‭ ‬والراغبين‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬الطب‭ ‬أو‭ ‬التمريض‭ ‬أو‭ ‬المهن‭ ‬الطبية‭ ‬والتمريضية‭ ‬المساندة،‭ ‬والاستثمار‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الطاقات‭ ‬الشبابية‭ ‬لمواجهة‭ ‬المستقبل‭ ‬الذي‭ ‬كما‭ ‬يبدو‭ ‬زاخراً‭ ‬بأمراض‭ ‬وأوبئة‭ ‬ليس‭ ‬لنا‭ ‬سلطان‭ ‬عليها‭ ‬غير‭ ‬التسلح‭ ‬من‭ ‬الآن‭ ‬بصفوف‭ ‬أمامية‭ ‬جديدة،‭ ‬تسد‭ ‬النقص‭ ‬المحتمل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المهن‭ ‬الطبية‭ ‬والتمريضية،‭ ‬صفوف‭ ‬أمامية‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬تخصصات‭ ‬نادرة‭ ‬وضرورية‭ ‬تجعلنا‭ ‬نطمئن‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يمكن‭ ‬الاعتماد‭ ‬عليهم‭. ‬نعم،‭ ‬قد‭ ‬يتطلب‭ ‬الأمر‭ ‬ميزانية‭ ‬كبيرة،‭ ‬لكنها‭ ‬وبلا‭ ‬شك‭ ‬ستوفر‭ ‬علينا‭ ‬مستقبلاً‭ ‬ميزانية‭ ‬أكبر‭.‬

 

ياسمينة‭: ‬نحن‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬صف‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬الأطباء‭ ‬لمواجهة‭ ‬المستقبل‭.‬