ومضة قلم

“احذروا الإشاعات”

| محمد المحفوظ

باتت‭ ‬الإشاعات‭ ‬آفة‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬بامتياز،‭ ‬خصوصا‭ ‬ما‭ ‬ينشر‭ ‬منها‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لما‭ ‬أتاحه‭ ‬العالم‭ ‬الافتراضي‭ ‬من‭ ‬يسر‭ ‬وسهولة،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يبذل‭ ‬فيه‭ ‬الفريق‭ ‬الطبي‭ ‬جهودا‭ ‬استثنائية‭ ‬متواصلة‭ ‬ليلا‭ ‬ونهارا‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬انتشار‭ ‬الجائحة‭ ‬وإنقاذ‭ ‬المصابين‭ ‬وتحقيق‭ ‬نجاحات‭ ‬منقطعة‭ ‬النظير،‭ ‬ورغم‭ ‬ما‭ ‬يكابدون‭ ‬من‭ ‬أخطار‭ ‬محدقة‭ ‬ومتاعب‭ ‬نفسية‭ ‬وجسدية‭ ‬طوال‭ ‬الوقت،‭ ‬إلا‭ ‬أنّهم‭ ‬مصرون‭ ‬على‭ ‬أداء‭ ‬مهمتهم‭ ‬دون‭ ‬كلل‭ ‬أو‭ ‬ملل،‭ ‬نقول‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬التفاني‭ ‬والإجهاد‭ ‬إلا‭ ‬أنّ‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يحاول‭ ‬إعاقة‭ ‬جهودهم‭ ‬بترويج‭ ‬إشاعات‭ ‬تتم‭ ‬صياغتها‭ ‬بإتقان‭ ‬وحرفية‭ ‬دون‭ ‬وعي‭ ‬أو‭ ‬إدراك‭ ‬لخطورتها‭.‬

لعل‭ ‬النموذج‭ ‬الماثل‭ ‬أمامنا‭ ‬مقطع‭ ‬فيديو‭ ‬انتشر‭ ‬كالنار‭ ‬في‭ ‬الهشيم‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬أيام‭ ‬وأثار‭ ‬الهلع‭ ‬والذعر‭ ‬لدى‭ ‬الكثيرين،‭ ‬هو‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬تصريح‭ ‬لمسؤول‭ ‬بإحدى‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬عبر‭ ‬خلاله‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬بلاده‭ ‬لديها‭ ‬60‭ ‬مليون‭ ‬جرعة‭ ‬غير‭ ‬مأمونة‭ ‬سيتم‭ ‬تصديرها‭ ‬للخارج،‭ ‬لكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬اتضحت‭ ‬عندما‭ ‬تأكد‭ ‬أحد‭ ‬الأطباء‭ ‬من‭ ‬ترجمة‭ ‬المقطع،‭ ‬وكان‭ ‬مخالفا‭ ‬تماما‭ ‬لما‭ ‬تمت‭ ‬إشاعته‭ ‬وهو‭ ‬“أنّ‭ ‬60‭ ‬مليون‭ ‬جرعة‭ ‬نبحث‭ ‬في‭ ‬مأمونيتها،‭ ‬وإذا‭ ‬تم‭ ‬التصريح‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الجهات‭ ‬المختصة‭ ‬والموافقة‭ ‬عليها‭ ‬سنصدرها”،‭ ‬طبعا‭ ‬كان‭ ‬المطلوب‭ ‬هنا‭ ‬تحكيم‭ ‬العقل‭ ‬وعدم‭ ‬الانسياق‭ ‬خلف‭ ‬العواطف‭ ‬ونظريات‭ ‬المؤامرة‭ ‬وغيرها‭.‬

مؤسف‭ ‬جدا‭ ‬أن‭ ‬يتجه‭ ‬البعض‭ ‬إلى‭ ‬بث‭ ‬الإشاعات‭ ‬دون‭ ‬إدراك‭ ‬الأضرار‭ ‬المباشرة‭ ‬وغير‭ ‬المباشرة‭ ‬التي‭ ‬ربما‭ ‬تفوق‭ ‬ما‭ ‬يخلفه‭ ‬الفيروس‭. ‬الناس‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الطمأنينة‭ ‬في‭ ‬نفوسهم‭ ‬وتخفيف‭ ‬حجم‭ ‬التوتر،‭ ‬ولعل‭ ‬أفدح‭ ‬صور‭ ‬الشائعات‭ ‬ما‭ ‬بات‭ ‬حديثا‭ ‬رائجا‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬من‭ ‬التشكيك‭ ‬بعدم‭ ‬جدوى‭ ‬اللقاح،‭ ‬والمأساة‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬يروجون‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لهم‭ ‬بالعلم‭ ‬أو‭ ‬الطب،‭ ‬والتساؤل‭ ‬هو‭ ‬كيف‭ ‬سمحوا‭ ‬لأنفسهم‭ ‬بإطلاق‭ ‬هذه‭ ‬الأكاذيب‭ ‬المنافية‭ ‬للعلم؟‭ ‬أما‭ ‬المثير‭ ‬للسخرية‭ ‬أنّ‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬نصبوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬خبراء‭ ‬وراحوا‭ ‬يطلقون‭ ‬وصفات‭ ‬بديلة‭ ‬للقاحات،‭ ‬وطبعا‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مدعمة‭ ‬بأدلة‭ ‬منطقية‭.‬

 

غير‭ ‬مرة‭ ‬نبهت‭ ‬الجهات‭ ‬الصحية‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬الالتفات‭ ‬أو‭ ‬الأخذ‭ ‬بالشائعات‭ ‬لمخالفتها‭ ‬الواقع‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬وما‭ ‬تخلفه‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬وخيمة‭ ‬ليس‭ ‬أقلها‭ ‬تقليل‭ ‬المناعة‭ ‬فحسب،‭ ‬لكنها‭ ‬تطال‭ ‬حتى‭ ‬الاقتصاد‭ ‬لما‭ ‬تلحق‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬خسائر‭ ‬فادحة‭.‬