مُلتقطات

آراءٌ مغلوطة!

| د. جاسم المحاري

يُحكى‭ ‬أنّ‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأطباء‭ ‬يستمتعون‭ ‬بشرب‭ ‬أكوابٍ‭ ‬من‭ ‬الشاي‭ ‬والقهوة‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬المطاعم‭ ‬على‭ ‬قارعة‭ ‬إحدى‭ ‬الطرق،‭ ‬ومرّ‭ ‬أمامهم‭ ‬رجلٌ‭ ‬يعرج‭ ‬في‭ ‬مشيته،‭ ‬فقال‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬الأطباء‭: ‬إنّ‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬مُصاب‭ ‬بالتهاب‭ ‬مفصل‭ ‬ركبته‭ ‬اليسرى،‭ ‬وقال‭ ‬الثاني‭: ‬مجرد‭ ‬التواء‭ ‬بالكاحل،‭ ‬وقال‭ ‬الثالث‭: ‬هذا‭ ‬يُعاني‭ ‬التهابا‭ ‬أخمصيا‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬القدم،‭ ‬وقال‭ ‬الرابع‭: ‬يبدو‭ ‬ذلك‭ ‬بسبب‭ ‬خلل‭ ‬في‭ ‬خلايا‭ ‬عصب‭ ‬الحركة‭ ‬السفلي،‭ ‬فيما‭ ‬قال‭ ‬الخامس‭: ‬أعتقد‭ ‬أنّ‭ ‬لديه‭ ‬شللا‭ ‬نصفيا‭! ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬يصرّح‭ ‬الطبيب‭ ‬السادس‭ ‬بتشخيصه؛‭ ‬وصل‭ ‬الرجل‭ ‬إلى‭ ‬مجموعة‭ ‬الأطباء،‭ ‬وسأل‭: ‬أين‭ ‬بإمكاني‭ ‬أنْ‭ ‬أجد‭ ‬إسكافيا‭ ‬لإصلاح‭ ‬حذائي‭!‬؟

لقيَ‭ ‬حوار‭ ‬الأطباء‭ ‬الستة‭ ‬عن‭ ‬حالة‭ ‬الرجل‭ ‬الأعرج‭ ‬رواجاً‭ ‬كبيراً‭ ‬منذ‭ ‬بدء‭ ‬انتشار‭ ‬الجائحة‭ ‬عالمياً،‭ ‬حيث‭ ‬ضجّت‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والقنوات‭ ‬الفضائية‭ ‬المختلفة‭ ‬بأحاديث‭ ‬متناقضة‭ ‬وتقارير‭ ‬متتالية‭ ‬تناولت‭ ‬قضية‭ ‬هذا‭ ‬الفيروس‭ ‬بما‭ ‬يحلو‭ ‬لها‭ ‬بين‭ ‬الوهم‭ ‬والحقيقة‭ ‬تارة‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬التهويل‭ ‬والواقع‭ ‬تارة‭ ‬أخرى‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬وضوح‭ ‬الصورة‭ ‬التي‭ ‬تعدّ‭ ‬الوهم‭ ‬نصف‭ ‬الداء‭ ‬والطمأنينة‭ ‬نصف‭ ‬الدواء‭! ‬فيما‭ ‬يفيض‭ ‬النقيض‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬الالتزامات‭ ‬التي‭ ‬تحددها‭ ‬الأمور‭ ‬المبدئية‭ ‬الثلاثة‭ (‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬الوباء،‭ ‬منعه،‭ ‬ومعالجته‭) ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التصدي‭ ‬للأوبئة‭ ‬المعدية‭ ‬المعتمدة‭ ‬في‭ ‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية‭ ‬بعدما‭ ‬نتجت‭ ‬عنها‭ ‬تناقضات‭ ‬في‭ ‬الرؤى‭ ‬والأفكار‭ ‬وتباينات‭ ‬في‭ ‬الأفعال‭ ‬والإجراءات‭ ‬واختلافات‭ ‬في‭ ‬النتائج‭ ‬والمُعطيات‭ ‬حتى‭ ‬أوجدت‭ - ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الانتشار‭ ‬السريع‭ ‬للوباء‭ ‬عالمياً‭ - ‬البيئة‭ ‬الخصبة‭ ‬لصُنّاع‭ ‬التهويل‭ ‬والتهوين‭ ‬حين‭ ‬بدأت‭ ‬تتسرب‭ ‬المعلومات‭ ‬الخاطئة‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وتحمل‭ ‬بين‭ ‬طيّاتها‭ ‬عبارات‭ ‬التخويف‭ ‬التي‭ ‬تُنذر‭ ‬بمحو‭ ‬البشرية‭ ‬جمعاء،‭ ‬فيما‭ ‬تُقابلها‭ ‬شعارات‭ ‬التخفيف‭ ‬التي‭ ‬أثنت‭ ‬همم‭ ‬الناس‭ ‬عن‭ ‬حماية‭ ‬أنفسهم‭ ‬واتباع‭ ‬النصائح‭ ‬والإرشادات‭ ‬المنصوص‭ ‬عليها‭.‬

هذا‭ ‬الوباء‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يتقبل‭ ‬التهويل‭ ‬ولا‭ ‬يرتضي‭ ‬التهوين،‭ ‬يعدّ‭ ‬الحدث‭ ‬الأبرز‭ ‬بلا‭ ‬مُنازع‭ ‬الذي‭ ‬شغل‭ ‬العالم‭ ‬بأسره‭ ‬حتى‭ ‬صيّر‭ ‬سُكانه‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬غرف‭ ‬بلا‭ ‬أبواب،‭ ‬وأوقع‭ ‬الفريقين‭ ‬في‭ ‬مذاهب‭ ‬مختلفة‭! ‬فريق‭ ‬يُقلّل‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬ويستهين‭ ‬بأمره‭ ‬فيدعو‭ ‬للخروج‭ ‬والتنزه،‭ ‬وفريق‭ ‬يُفزِّع‭ ‬ويُهوِّل‭ ‬فينادي‭ ‬بإهمال‭ ‬العمل‭ ‬والإنتاج؛‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬استوجب‭ ‬على‭ ‬الجهات‭ ‬الصحية‭ ‬نشر‭ ‬المعلومات‭ ‬الواردة‭ ‬من‭ ‬مصادرها‭ ‬البحثية‭ ‬المختصة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تأكيد‭ ‬صحيحها‭ ‬وتفنيد‭ ‬مغلوطها‭ ‬الذي‭ ‬يتوارد‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭.‬

نافلة‭: ‬

مُذ‭ ‬أعلن‭ ‬مدير‭ ‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية‭ ‬“تيدروس‭ ‬غيبريسوس”‭ ‬منتصف‭ ‬مارس‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬المنصرم،‭ ‬أنّ‭ ‬وباء‭ ‬كورونا‭ ‬أصبح‭ ‬وباء‭ ‬عالميّا‭ ‬بعد‭ ‬انتشاره‭ ‬السريع‭ ‬وتزايد‭ ‬أعداد‭ ‬إصاباته؛‭ ‬حتى‭ ‬سارعت‭ ‬حكومات‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءاتها‭ ‬الضرورية‭ ‬واحتياطاتها‭ ‬اللازمة‭ ‬لصده‭ ‬ومنع‭ ‬مضاعفاته،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تجلّى‭ ‬وضوحاً‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬المحلي‭ ‬حينَ‭ ‬بذلت‭ ‬مملكتنا‭ ‬الحبيبة‭ ‬جهوداً‭ ‬جبّارة‭ ‬لمكافحته‭ ‬وفق‭ ‬أعلى‭ ‬المعايير‭ ‬الطبية‭ ‬العالمية‭ ‬بعد‭ ‬سلسلة‭ ‬الاحترازات‭ ‬الطارئة‭ ‬والتدابير‭ ‬الوقائية‭ ‬التي‭ ‬ضَمِنَتْ‭ ‬سلامة‭ ‬المواطن‭ ‬والمقيم‭ ‬والوافد‭ ‬على‭ ‬حدّ‭ ‬سواء‭. ‬حَفِظ‭ ‬الباري‭ ‬البلاد‭ ‬والعباد‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬سوء‭ ‬أو‭ ‬مكروه‭.‬