الجماعات الراديكالية المتحورة

| بدور عدنان

أميل‭ ‬دائماً‭ ‬للانفتاح‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الآيديولوجيات‭ ‬والأفكار‭ ‬التي‭ ‬يتبناها‭ ‬الأفراد‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الجماعات‭ ‬والأحزاب‭ ‬المختلفة،‭ ‬فشخصياً‭ ‬أمتلك‭ ‬قناعة‭ ‬تسمح‭ ‬لي‭ ‬بتقبل‭ ‬أية‭ ‬آيديولوجيا‭ ‬أو‭ ‬عقيدة‭ ‬فكرية،‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬الإنصاف‭ ‬رفض‭ ‬ما‭ ‬يؤمن‭ ‬ويعتقد‭ ‬به‭ ‬فرد‭ ‬آخر‭ ‬فقط‭ ‬لأنني‭ ‬أختلف‭ ‬ولا‭ ‬أتفق‭ ‬معه‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬أؤمن‭ ‬بما‭ ‬يؤمن‭ ‬به‭.‬

وفي‭ ‬ضوء‭ ‬ذلك‭ ‬دائما‭ ‬ما‭ ‬يستهويني‭ ‬البحث‭ ‬والقراءة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬النقاش‭ ‬مع‭ ‬معتنقي‭ ‬الأفكار،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت‭ ‬أصبح‭ ‬الأمر‭ ‬مقننا‭ ‬لدي،‭ ‬فقد‭ ‬أيقنت‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الحركات‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬آيديولوجيات‭ ‬معينة‭ ‬يصعب‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬السوي‭ ‬والعاقل‭ ‬تقبلها‭ ‬مهما‭ ‬بلغ‭ ‬به‭ ‬الانفتاح،‭ ‬وهي‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬الحركات‭ ‬القائمة‭ ‬نفسها‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬تقبل‭ ‬الآخرين،‭ ‬والتي‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬تنتهج‭ ‬النهج‭ ‬العنيف‭ ‬والحراك‭ ‬المسلح‭ ‬لفرض‭ ‬نظريتها‭ ‬على‭ ‬المجتمع،‭ ‬حيث‭ ‬تقوم‭ ‬هذه‭ ‬الجماعات‭ ‬على‭ ‬رفض‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يختلف‭ ‬معها،‭ ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬التيارات‭ ‬التي‭ ‬يطلق‭ ‬عليها‭ ‬“الجماعات‭ ‬الراديكالية”‭ ‬أو‭ ‬“الجماعات‭ ‬المتطرفة”‭ ‬التي‭ ‬يقترن‭ ‬اسمها‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬للأسف‭ ‬بالإسلام،‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬المجمل‭ ‬معروفة‭ ‬للجميع،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬أهدافها‭ ‬وأساليبها‭ ‬معلنة‭ ‬وغير‭ ‬مخفية،‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬تمييزها‭ ‬أمرا‭ ‬ليس‭ ‬صعبا‭ ‬لدى‭ ‬أصحاب‭ ‬العقول‭ ‬النيرة‭ ‬والفطرة‭ ‬البشرية‭ ‬السوية‭.‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬الخطر‭ ‬الحقيقي‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الجماعات‭ ‬التي‭ ‬تتبنى‭ ‬آيديولوجيات‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬التخفي‭ ‬الميكافيلي،‭ ‬فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬رفض‭ ‬جميع‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬حولها‭ ‬باطنياً،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تمانع‭ ‬التعاون‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬صالحها‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬منها‭ ‬لتمرير‭ ‬أجنداتها‭ ‬وأفكارها‭ ‬بطرق‭ ‬غير‭ ‬عنيفة،‭ ‬فعلى‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬الحركات‭ ‬الراديكالية‭ ‬الكلاسيكية‭ ‬تعتمد‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬على‭ ‬القوى‭ ‬الناعمة‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬التغلغل‭ ‬وسط‭ ‬المجتمعات‭ ‬بهدف‭ ‬كسب‭ ‬قاعدة‭ ‬عريضة‭ ‬من‭ ‬التأييد‭ ‬الشعبي‭ ‬عبر‭ ‬تغييب‭ ‬المنطق‭ ‬أو‭ ‬تغليف‭ ‬العقل‭ ‬بمبررات‭ ‬–‭ ‬ومنطق‭ - ‬يصعب‭ ‬على‭ ‬الفرد‭ ‬العادي‭ ‬تمييزها،‭ ‬خصوصاً‭ ‬أنهم‭ ‬استطاعوا‭ ‬تطويع‭ ‬الإسلام‭ ‬بطريقة‭ ‬ذكية‭ ‬جداً‭ ‬لخدمة‭ ‬أهدافهم‭ ‬وسياساتهم‭.‬

وجودهم‭ ‬حولنا‭ ‬أصبح‭ ‬واقعا،‭ ‬فهو‭ ‬أقرب‭ ‬مما‭ ‬نتخيل،‭ ‬حيث‭ ‬يكمن‭ ‬خطرهم‭ ‬في‭ ‬أنهم‭ ‬متغلغلون‭ ‬ومتواجدون‭ ‬حولنا‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نعي‭ ‬أنهم‭ ‬يحاولون‭ ‬التأثير‭ ‬علينا‭ ‬واستمالة‭ ‬عقولنا‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الانضمام‭ ‬لأحزابهم،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬أقل‭ ‬تقدير‭ ‬التعاطف‭ ‬معهم،‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬تحييد‭ ‬خطرهم‭ ‬أكثر‭ ‬صعوبة‭ ‬من‭ ‬تحييد‭ ‬خطر‭ ‬الجماعات‭ ‬الراديكالية‭ ‬الكلاسيكية‭.‬