سوالف

ماذا سأقول للمعلم أبي العلاء المعري

| أسامة الماجد

في‭ ‬عالم‭ ‬الأدب‭ ‬هناك‭ ‬العقل‭ ‬الصاحي‭ ‬الواضح‭ ‬المنطقي‭ ‬الراغب‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الحقيقة‭ ‬حتى‭ ‬عبر‭ ‬أكثر‭ ‬طرقات‭ ‬التحليل‭ ‬جفافا،‭ ‬وهناك‭ ‬أيضا‭ ‬الحالم‭ ‬المتلون‭ ‬المحب‭ ‬مشبوب‭ ‬العاطفة‭ ‬الذي‭ ‬تتقاذفه‭ ‬أدنى‭ ‬إثارات‭ ‬الحزن‭ ‬ورؤى‭ ‬السعادة،‭ ‬وقد‭ ‬امتلأ‭ ‬“جحيم‭ ‬دانتي”‭ ‬و”رسالة‭ ‬الغفران‭ ‬المعري”‭ ‬بتعريفات‭ ‬وقواعد‭ ‬خلقت‭ ‬لهذين‭ ‬العظيمين‭ ‬قاموسا‭ ‬خاصا،‭ ‬وكل‭ ‬كلمة‭ ‬تحمل‭ ‬ظلا‭ ‬من‭ ‬ظلال‭ ‬الشخصية،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬قراءاتنا‭ ‬المبكرة‭ ‬“أيام‭ ‬الثانوية‭ ‬العامة”‭ ‬لهذين‭ ‬العملين‭ ‬الأدبيين،‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬نزال‭ ‬نسترجع‭ ‬الروح‭ ‬الحساسة‭ ‬وروعة‭ ‬الاتجاهين‭ ‬المتنافسين‭ ‬وتبادل‭ ‬التأثير‭ ‬بينهما،‭ ‬فكان‭ ‬دانتي‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬بحث‭ ‬“رحلة‭ ‬في‭ ‬أدب‭ ‬الآخرة”‭ ‬لصالح‭ ‬أبوأصبع‭ ‬ساخطا‭ ‬على‭ ‬مجتمعه‭ ‬وعاش‭ ‬أغلب‭ ‬حياته‭ ‬وحيدا‭ ‬حتى‭ ‬بين‭ ‬جموع‭ ‬الناس،‭ ‬وكان‭ ‬أبوالعلاء‭ ‬اعتزاليا‭ ‬كدانتي‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬شتان‭ ‬بين‭ ‬فردية‭ ‬المعري‭ ‬وفردية‭ ‬دانتي،‭ ‬فالأخير‭ ‬شارك‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬واعتزلها‭ ‬نتيجة‭ ‬الاتهامات‭ ‬التي‭ ‬وجهت‭ ‬إليه،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬ظل‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬مجتمعه‭ ‬آملا‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬مجتمع‭ ‬أفضل‭ ‬وذلك‭ ‬ما‭ ‬حاول‭ ‬وضعه‭ ‬في‭ ‬كوميدياه،‭ ‬أما‭ ‬أبو‭ ‬العلاء‭ ‬المعري‭ ‬فكان‭ ‬ملك‭ ‬نفسه،‭ ‬لا‭ ‬يخص‭ ‬سوى‭ ‬نفسه،‭ ‬ورسالته‭ ‬أيضا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬لبناء‭ ‬مجتمع‭ ‬أفضل‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬لبناء‭ ‬جنة‭ ‬تخصه‭ ‬وتخص‭ ‬ابن‭ ‬القارح‭ ‬معه‭ ‬كوسيلة‭ ‬لبناء‭ ‬جنته‭ ‬المعرية‭.‬

كان‭ ‬دانتي‭ ‬عميق‭ ‬الإيمان‭ ‬والمعري‭ ‬مزعزع‭ ‬الإيمان،‭ ‬وهذا‭ ‬جعل‭ ‬هناك‭ ‬اختلافا‭ ‬كبيرا‭ ‬بين‭ ‬مؤلفيهما،‭ ‬ويرى‭ ‬الأدباء‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬تشابه‭ ‬بين‭ ‬دانتي‭ ‬والمعري‭ ‬مطلقا‭ ‬إلا‭ ‬بوصف‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬إنسانا‭ ‬وشاعرا‭ ‬ممتازا،‭ ‬وهذه‭ ‬سمة‭ ‬الأدباء‭ ‬المتفوقين،‭ ‬ولا‭ ‬يرون‭ ‬في‭ ‬رسالة‭ ‬الغفران‭ ‬والكوميديا‭ ‬الإلهية‭ ‬أي‭ ‬تشابه،‭ ‬إلا‭ ‬أنهما‭ ‬يلتقيان‭ ‬عند‭ ‬فكرة‭ ‬واحدة‭ ‬هي‭ ‬الرحلة‭ ‬الخيالية‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬الآخر،‭ ‬والمعري‭ ‬ليس‭ ‬صاحب‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬الإنسانية‭ ‬المشتركة‭.‬

قبل‭ ‬أيام‭ ‬أهداني‭ ‬أستاذي‭ ‬الكاتب‭ ‬أحمد‭ ‬جمعة‭ ‬روايته‭ ‬الضخمة‭ ‬الجديدة‭ ‬“القرنفل‭ ‬التبريزي‭.. ‬أبو‭ ‬العلاء‭ ‬المعري‭ ‬وخليله”،‭ ‬وكتب‭ ‬لي‭ ‬أنها‭ ‬مغامرة‭ ‬ستقودني‭ ‬إلى‭ ‬معرة‭ ‬النعمان‭ ‬مع‭ ‬أبي‭ ‬العلاء‭ ‬المعري،‭ ‬وها‭ ‬أنا‭ ‬اليوم‭ ‬قد‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬الرواية‭ ‬موغلا‭ ‬في‭ ‬البعد‭ ‬لمعرفة‭ ‬ماذا‭ ‬سأقول‭ ‬للمعلم‭ ‬أبي‭ ‬العلاء‭ ‬المعري‭.‬