الميليشيات... والدولة الوطنية

| يوسف الحداد

لم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬الميليشيات‭ ‬الطائفية‭ ‬والمسلحة،‭ ‬المنتشرة‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬المنطقة،‭ ‬تمثل‭ ‬التهديد‭ ‬الرئيسي‭ ‬للدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لأنها‭ ‬ترتبط‭ ‬بأطراف‭ ‬خارجية‭ ‬لها‭ ‬أجندة‭ ‬واضحة‭ ‬وأطماع‭ ‬تاريخية،‭ ‬إنما‭ ‬أيضاً،‭ ‬وربما‭ ‬الأخطر،‭ ‬لأنها‭ ‬تقف‭ ‬وراء‭ ‬الأزمات‭ ‬المختلفة‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬منها‭ ‬هذه‭ ‬الدول،‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬اقتصادية‭ ‬أو‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬أمنية،‭ ‬وتعمل‭ ‬باستمرار‭ ‬على‭ ‬استنزاف‭ ‬قدراتها‭ ‬وإصابتها‭ ‬بالشلل‭ ‬التام،‭ ‬والذي‭ ‬يجعلها‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬ممارسة‭ ‬أدوارها‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭.‬

المتتبع‭ ‬لممارسات‭ ‬هذه‭ ‬الميليشيات‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬الماضية‭ ‬سيلحظ‭ ‬بوضوح‭ ‬كيف‭ ‬أصبحت‭ ‬تمثل‭ ‬خطراً‭ ‬قائماً‭ ‬وتهديداً‭ ‬وجودياً‭ ‬للدولة‭ ‬الوطنية،‭ ‬ففي‭ ‬العراق‭ ‬واصلت‭ ‬ميليشيات‭ ‬الحشد‭ ‬الشعبي‭ ‬تحديها‭ ‬الحكومة،‭ ‬وفي‭ ‬اليمن‭ ‬تواصل‭ ‬ميليشيات‭ ‬الحوثي‭ ‬ممارساتها‭ ‬المزعزعة‭ ‬للأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬استهداف‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬إنما‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬تهديد‭ ‬خطوط‭ ‬الملاحة‭ ‬والتجارة‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬بالزوارق‭ ‬المفخخة،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬تحد‭ ‬واضح‭ ‬للمجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬وتدمير‭ ‬فرص‭ ‬السلام‭. ‬وفي‭ ‬ليبيا‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬المليشيات‭ ‬المسلحة‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬تمثل‭ ‬تحدياً‭ ‬للجيش،‭ ‬وتعمل‭ ‬على‭ ‬تقويضه،‭ ‬بل‭ ‬وتشكك‭ ‬في‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬تحرير‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬التنظيمات‭ ‬المتطرفة‭ ‬والإرهابية،‭ ‬وفي‭ ‬لبنان‭ ‬فإن‭ ‬الأزمة‭ ‬المعقدة‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬البلاد‭ ‬منذ‭ ‬أشهر‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬فصلها‭ ‬عن‭ ‬ممارسات‭ ‬ميليشيا‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬الإرهابية،‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬الرسمية،‭ ‬والتحكم‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭ ‬بها‭. ‬

إن‭ ‬الخطر‭ ‬الذي‭ ‬تشكله‭ ‬هذه‭ ‬الميليشيات‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬يتطلب‭ ‬سرعة‭ ‬التحرك‭ ‬للتصدي‭ ‬لها‭ ‬وممارسة‭ ‬ضغوط‭ ‬حقيقية‭ ‬على‭ ‬الأطراف‭ ‬والقوى‭ ‬الخارجية‭ ‬التي‭ ‬تدعمها‭ ‬وتقف‭ ‬وراءها،‭ ‬لأن‭ ‬تجاهل‭ ‬ذلك‭ ‬الخطر‭ ‬ينذر‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬بانهيار‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬تشهد‭ ‬تنامياً‭ ‬لهذه‭ ‬الميليشيات‭ ‬المسلحة،‭ ‬إنما‭ ‬في‭ ‬تصاعد‭ ‬مهددات‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء،‭ ‬والشاهد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬تهديد‭ ‬ميليشيا‭ ‬الحوثي‭ ‬من‭ ‬حين‭ ‬لآخر‭ ‬الممرات‭ ‬المائية‭ ‬والملاحية‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬أهمية‭ ‬كبرى‭ ‬للاقتصاد‭ ‬الدولي،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬محاولاتها‭ ‬المستمرة‭ ‬باستهداف‭ ‬منشآت‭ ‬النفط‭ ‬السعودية،‭ ‬وتهديد‭ ‬أمن‭ ‬الطاقة‭ ‬العالمي،‭ ‬لهذا‭ ‬بات‭ ‬لزاماً‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬تحمل‭ ‬مسؤوليته‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬هذه‭ ‬الميليشات،‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬ممارساتها‭ ‬انتهاكاً‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي‭ ‬ومبادئ‭ ‬السيادة‭ ‬الوطنية،‭ ‬وتمثل‭ ‬تهديداً‭ ‬للأمن‭ ‬والسلم‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي‭.‬