سوالف

الموتى لا حصر لهم... أما الأحياء فقليلون

| أسامة الماجد

كانت‭ ‬هناك‭ ‬سيدة‭ ‬في‭ ‬مقتبل‭ ‬العمر‭ ‬مات‭ ‬طفلها‭ ‬فكادت‭ ‬تجن‭ ‬من‭ ‬الحزن‭ ‬والأسى،‭ ‬وراحت‭ ‬تطرق‭ ‬أبواب‭ ‬الناس،‭ ‬تسألهم‭ ‬عن‭ ‬دواء‭ ‬يرد‭ ‬ابنها‭ ‬إلى‭ ‬الحياة،‭ ‬فوصلت‭ ‬في‭ ‬تجوالها‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬راهب‭ ‬وسألته‭ ‬عن‭ ‬الدواء‭ ‬فتمتم‭ ‬الراهب‭ ‬في‭ ‬سره‭ ‬“مسكينة‭ ‬إنها‭ ‬لا‭ ‬تعلم”،‭ ‬ثم‭ ‬رفع‭ ‬صوته‭ ‬قائلا‭ ‬إني‭ ‬“آسف‭ ‬أيها‭ ‬المرأة‭ ‬لأنني‭ ‬لا‭ ‬أملك‭ ‬الدواء‭ ‬الذي‭ ‬تطلبينه،‭ ‬لكن‭ ‬هناك‭ ‬رجل‭ ‬عنده‭ ‬هذا‭ ‬الدواء”،‭ ‬فسألته‭ ‬الأم‭ ‬الثكلى‭ ‬في‭ ‬لهفة‭ ‬ومن‭ ‬هو‭ ‬وأين‭ ‬هو،‭ ‬فأجاب‭ ‬إنه‭ ‬“بوذا”‭ ‬فعليك‭ ‬أن‭ ‬تذهبي‭ ‬إليه‭.‬

وبحثت‭ ‬المرأة‭ ‬عن‭ ‬بوذا‭ ‬حتى‭ ‬وجدته،‭ ‬وتوسلت‭ ‬إليه‭ ‬أن‭ ‬يدلها‭ ‬على‭ ‬الدواء‭ ‬الذي‭ ‬يرد‭ ‬وحيدها‭ ‬إلى‭ ‬الحياة،‭ ‬فقال‭ ‬لها‭ ‬بوذا‭ ‬ما‭ ‬أسهل‭ ‬دواءك‭ ‬أيتها‭ ‬المرأة،‭ ‬عليك‭ ‬ببذور‭ ‬الخردل‭ ‬فإنها‭ ‬كفيلة‭ ‬بأن‭ ‬ترد‭ ‬ابنك‭ ‬إلى‭ ‬الحياة،‭ ‬وكادت‭ ‬المرأة‭ ‬تطير‭ ‬من‭ ‬الفرح‭ ‬لسهولة‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الدواء،‭ ‬لكن‭ ‬بوذا‭ ‬استطرد‭ ‬في‭ ‬حديثه‭ ‬قائلا‭.. ‬على‭ ‬شرط‭ ‬أن‭ ‬تحصلي‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬البذور‭ ‬من‭ ‬بيت‭ ‬لم‭ ‬يمت‭ ‬لأحد‭ ‬فيه‭ ‬أب‭ ‬أو‭ ‬أم‭ ‬أو‭ ‬ابن‭ ‬أو‭ ‬قريب،‭ ‬وأسرعت‭ ‬المرأة‭ ‬تدق‭ ‬الأبواب‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬بذور‭ ‬الخردل‭ ‬وكان‭ ‬الجميع‭ ‬يبدون‭ ‬استعدادهم‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬لمنحها‭ ‬البذور،‭ ‬لكنها‭ ‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬تسألهم‭ ‬عما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬سكان‭ ‬البيت‭ ‬قد‭ ‬مات‭ ‬لهم‭ ‬أب‭ ‬أو‭ ‬أم‭ ‬أو‭ ‬ابن‭ ‬أو‭ ‬قريب،‭ ‬كانوا‭ ‬يردون‭ ‬عليها‭ ‬جميعا‭ ‬بالإيجاب،‭ ‬فتنصرف‭ ‬کسيرة‭ ‬القلب‭ ‬والبال‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬آخر‭ ‬فلا‭ ‬تلقى‭ ‬سوى‭ ‬الجواب‭ ‬نفسه‭. ‬

إن‭ ‬الموتى‭ ‬لا‭ ‬حصر‭ ‬لهم‭ ‬أما‭ ‬الأحياء‭ ‬فقليلون،‭ ‬وأدركت‭ ‬المرأة‭ ‬أن‭ ‬الموت‭ ‬حق‭ ‬وأنها‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬المحال،‭ ‬فاستغرقت‭ ‬في‭ ‬تفكير‭ ‬عميق‭ ‬ثم‭ ‬اتجهت‭ ‬صوب‭ ‬الغابة‭ ‬ودفنت‭ ‬طفلها‭ ‬وقصدت‭ ‬بوذا‭ ‬فسألها‭ ‬“هل‭ ‬وجدت‭ ‬بذور‭ ‬الخردل؟”‭ ‬فأجابت‭ ‬المرأة‭ ‬لا‭ ‬يا‭ ‬سيدي،‭ ‬لكنني‭ ‬وجدت‭ ‬العلاج،‭ ‬وأنا‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬لأن‭ ‬أتبعك‭ ‬في‭ ‬سلام‭ ‬وسكينة‭.‬

 

أتمنى‭ ‬أن‭ ‬الحكمة‭ ‬الجميلة‭ ‬في‭ ‬القصة‭ ‬وصلت‭ ‬للجميع‭ ‬لنعرف‭ ‬كيف‭ ‬نتعايش‭ ‬مع‭ ‬الآلام‭ ‬والأحزان‭.‬