ستة على ستة

ألمانيا والتصالح مع الماضي

| عطا السيد الشعراوي

لو‭ ‬بحثنا‭ ‬في‭ ‬أسباب‭ ‬تردي‭ ‬أوضاع‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بالدول‭ ‬النامية،‭ ‬لربما‭ ‬كان‭ ‬الاحتلال‭ ‬عاملاً‭ ‬مشتركًا‭ ‬في‭ ‬جل‭ ‬هذه‭ ‬الدول،‭ ‬حيث‭ ‬أفرز‭ ‬هذا‭ ‬الاحتلال‭ ‬وضعًا‭ ‬مختلاً‭ ‬وجراحًا‭ ‬عميقة‭ ‬بها‭.‬

لهذا،‭ ‬فمن‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬تحسب‭ ‬لألمانيا‭ ‬ونأمل‭ ‬أن‭ ‬تسير‭ ‬على‭ ‬نهجها‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬لتستقيم‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬أحوال‭ ‬الدول‭ ‬النامية،‭ ‬ذلك‭ ‬التوجه‭ ‬نحو‭ ‬التصالح‭ ‬مع‭ ‬ماضيها‭ ‬الاستعماري،‭ ‬والذي‭ ‬جسده‭ ‬تصريح‭ ‬وزير‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬ميشيل‭ ‬مونتيفيرينغ‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬2020م‭ ‬بالقول‭ ‬“عشنا‭ ‬لفترة‭ ‬طويلة‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭ ‬على‭ ‬وهم‭ ‬أن‭ ‬حقبة‭ ‬الاستعمار‭ ‬الألماني‭ ‬مرت‭ ‬بأقل‭ ‬الأضرار‭ ‬وأنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬طويلة‭ ‬حتى‭ ‬تخلف‭ ‬أضرارًا‭ ‬حقيقية”‭.‬

ومنذ‭ ‬فترة،‭ ‬قامت‭ ‬الحكومة‭ ‬الألمانية‭ ‬بإنشاء‭ ‬نقطة‭ ‬اتصال‭ ‬مركزية‭ ‬للتواصل‭ ‬مع‭ ‬المستعمرات‭ ‬السابقة‭ ‬التي‭ ‬ترغب‭ ‬في‭ ‬استعادة‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬ضاعت‭ ‬منها،‭ ‬وبدأت‭ ‬المتاحف‭ ‬والمحفوظات‭ ‬بإعادة‭ ‬الرفات‭ ‬البشرية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬إحضارها‭ ‬لألمانيا‭ ‬في‭ ‬الحقبة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تجارب‭ ‬طبية،‭ ‬كما‭ ‬بدأت‭ ‬مدن‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬أسماء‭ ‬بعض‭ ‬الشوارع‭ ‬التي‭ ‬تكرم‭ ‬شخصيات‭ ‬استعمارية‭ ‬سابقة‭.‬

أما‭ ‬الخطوة‭ ‬الأخيرة‭ ‬والأهم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الملف،‭ ‬فهي‭ ‬اعتراف‭ ‬ألمانيا‭ ‬في‭ ‬28‭ ‬مايو‭ ‬2021‭ ‬بارتكاب‭ ‬“إبادة‭ ‬جماعية”‭ ‬ضدّ‭ ‬شعبي‭ ‬هيريرو‭ ‬وناما‭ ‬في‭ ‬ناميبيا‭ ‬خلال‭ ‬استعمارها‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬الأفريقي‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬1884‭ ‬إلى‭ ‬1915،‭ (‬حيث‭ ‬قتل‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬1904‭ ‬و1908‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬شعبي‭ ‬هيريرو‭ ‬وناما‭ ‬في‭ ‬مذابح‭ ‬ارتكبها‭ ‬مستوطنون‭ ‬ألمان،‭ ‬فيما‭ ‬اعتبر‭ ‬أول‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭)‬،‭ ‬متعهّدة‭ ‬بتقديم‭ ‬مساعدات‭ ‬تنموية‭ ‬لها‭ ‬تزيد‭ ‬قيمتها‭ ‬عن‭ ‬مليار‭ ‬يورو،‭ ‬إذ‭ ‬صرح‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الألماني‭ ‬هايكو‭ ‬ماس‭ ‬في‭ ‬بيان‭ ‬بأنّه‭ ‬“اعتباراً‭ ‬من‭ ‬اليوم‭ ‬سنصنف‭ ‬رسميًا‭ ‬هذه‭ ‬الحوادث‭ ‬بما‭ ‬هي‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬منظور‭ ‬اليوم‭: ‬إبادة‭ ‬جماعية”‭.‬

هي‭ ‬مسؤولية‭ ‬تاريخية‭ ‬وأخلاقية‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬الاستعمارية،‭ ‬لكن‭ ‬التوصل‭ ‬لهذه‭ ‬النقطة‭ ‬من‭ ‬التسامح‭ ‬والتصالح،‭ ‬يتطلب‭ ‬أيضًا‭ ‬جهادًا‭ ‬وإرادة‭ ‬وعزيمة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مستعمرة،‭ ‬وعدم‭ ‬اليأس‭ ‬من‭ ‬إمكانية‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬حقوقها‭ ‬مهما‭ ‬طال‭ ‬الزمن‭.‬