الإنسانية لا جنسية لها

| زهير توفيقي

قصة‭ ‬إنسانية‭ ‬أعتبرها‭ ‬من‭ ‬النوادر‭ ‬التي‭ ‬تحكى‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬الخيال،‭ ‬فقد‭ ‬بثت‭ ‬القناة‭ ‬التلفزيونية‭ ‬Nasnews‭ ‬العربية‭ ‬قصة‭ ‬ذلك‭ ‬الصحافي‭ ‬الأميركي‭ ‬Steve Sosebee‭ ‬الذي‭ ‬بدأت‭ ‬حكايته‭ ‬قبل‭ ‬ثلاثين‭ ‬عامًا‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬يعمل‭ ‬كصحافي‭ ‬ميداني‭ ‬ومراسل‭ ‬من‭ ‬القدس،‭ ‬وشاهد‭ ‬Steve‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬الكاميرا‭ ‬طفلا‭ ‬فلسطينيا‭ ‬فقد‭ ‬رجليه‭ ‬ويديه‭ ‬وعينا‭ ‬واحدة،‭ ‬وفورًا‭ ‬قرر‭ ‬أن‭ ‬يترك‭ ‬العمل‭ ‬الصحافي‭ ‬ويقوم‭ ‬بمساعدة‭ ‬هذا‭ ‬الطفل‭ ‬ويصنع‭ ‬فرقا‭ ‬حقيقيا‭ ‬بحياته،‭ ‬حيث‭ ‬قام‭ ‬بالترتيب‭ ‬لنقله‭ ‬إلى‭ ‬أميركا‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬علاج‭ ‬طويلة‭ ‬رغم‭ ‬صعوبة‭ ‬المهمة‭ ‬وعدم‭ ‬منح‭ ‬التأشيرة‭ ‬للطفل،‭ ‬وبعد‭ ‬جهود‭ ‬جبارة‭ ‬ومضنية‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬تأمين‭ ‬أطراف‭ ‬صناعية‭ ‬غيرت‭ ‬حياة‭ ‬الطفل‭ ‬للأفضل،‭ ‬ولم‭ ‬يكتف‭ ‬ستيف‭ ‬بهذا‭ ‬العمل‭ ‬الجبار‭ ‬والإنساني‭ ‬بكل‭ ‬معنى‭ ‬الكلمة،‭ ‬بل‭ ‬قام‭ ‬بتأسيس‭ ‬جمعية‭ ‬“إغاثة‭ ‬أطفال‭ ‬فلسطين”،‭ ‬حيث‭ ‬تقوم‭ ‬بتوفير‭ ‬العلاج‭ ‬المناسب‭ ‬للأطفال‭ ‬المرضى‭ ‬وفاقدي‭ ‬الأطراف‭ ‬ونقل‭ ‬البعض‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭ ‬وتوفير‭ ‬الأطباء‭ ‬والعلاج‭ ‬والأدوية‭ ‬لهم‭.‬

هذا‭ ‬الإنسان‭ ‬الرائع‭ ‬ليس‭ ‬إنسانًا‭ ‬طبيعيًا‭ ‬ولا‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬كوكبنا،‭ ‬فقد‭ ‬قرر‭ ‬أن‭ ‬يؤسس‭ ‬مستشفى‭ ‬لسرطان‭ ‬الأطفال‭ ‬يحمل‭ ‬اسم‭ ‬زوجته‭ ‬“هدى‭ ‬المصري”‭ ‬التي‭ ‬توفيت‭ ‬بعد‭ ‬صراع‭ ‬مع‭ ‬مرض‭ ‬السرطان،‭ ‬فأسس‭ ‬مركزين‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية‭ ‬يقومان‭ ‬بمعالجة‭ ‬‮١٢٠٠‬‭ ‬طفل‭ ‬سنويًا‭ ‬بالمجان‭! ‬يا‭ ‬إلهي،‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬صانع‭ ‬الأمل‭ ‬أثبت‭ ‬للعالم‭ ‬أن‭ ‬الإنسانية‭ ‬لا‭ ‬جنسية‭ ‬لها‭ ‬ولا‭ ‬دين‭ ‬ولا‭ ‬لون،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬الإنسانية‭ ‬توحد‭ ‬البشر،‭ ‬فكل‭ ‬ما‭ ‬تحتاجه‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تمتلك‭ ‬قلبًا‭ ‬نظيفًا‭ ‬ومشاعر‭ ‬صادقة‭.‬

ولأصحاب‭ ‬العقول‭ ‬المتحجرة‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يفقهون‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬شيئًا،‭ ‬أتمنى‭ ‬بكل‭ ‬شجاعة‭ ‬أن‭ ‬تذكروا‭ ‬أعمال‭ ‬هذا‭ ‬الإنسان‭ ‬الأميركي‭ ‬الذي‭ ‬يعتنق‭ ‬الديانة‭ ‬المسيحية‭ ‬في‭ ‬خطبكم‭ ‬الدينية،‭ ‬وأن‭ ‬تتوقفوا‭ ‬عن‭ ‬تعصبكم‭ ‬الجاهل‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬نستفد‭ ‬منه‭ ‬شيئًا‭ ‬غير‭ ‬نشر‭ ‬الكراهية‭ ‬والبغضاء‭ ‬والهدم،‭ ‬فقد‭ ‬أصبحتم‭ ‬سببًا‭ ‬مباشرًا‭ ‬للتأخر‭ ‬والجهل‭! ‬يقول‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬“يَا‭ ‬أَيُّهَا‭ ‬النَّاسُ‭ ‬إِنَّا‭ ‬خَلَقْنَاكُمْ‭ ‬مِنْ‭ ‬ذَكَرٍ‭ ‬وَأُنْثَى‭ ‬وَجَعَلْنَاكُمْ‭ ‬شُعُوباً‭ ‬وَقَبَائِلَ‭ ‬لِتَعَارَفُوا‭ ‬إِنَّ‭ ‬أَكْرَمَكُمْ‭ ‬عِنْدَ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬أَتْقَاكُمْ‭ ‬إِنَّ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬عَلِيمٌ‭ ‬خَبِيرٌ”،‭ ‬لا‭ ‬أعلم‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬القارئ‭ ‬العزيز‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬أكثر‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الإنسان‭ ‬الذي‭ ‬قل‭ ‬وجوده‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الزمن،‭ ‬ولا‭ ‬أعرف‭ ‬ماذا‭ ‬أطلق‭ ‬عليه،‭ ‬فهو‭ ‬يستحق‭ ‬تكريما‭ ‬عربيا‭ ‬وعالميا‭ ‬نظير‭ ‬جميع‭ ‬أعماله‭ ‬الإنسانية‭ ‬طوال‭ ‬ثلاثين‭ ‬عامًا،‭ ‬ويعتبر‭ ‬مثالًا‭ ‬ورمزًا‭ ‬يحتذى‭ ‬به،‭ ‬ألا‭ ‬تتفقون‭ ‬معي؟‭.‬