سوالف

برحيلك “يا أم مريم” اعترت العالم شهقة خرساء

| أسامة الماجد

سارت‭ ‬هادئة‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬وكانت‭ ‬بالنسبة‭ ‬للجميع‭ ‬منبع‭ ‬السعادة‭ ‬وتطييب‭ ‬الجراح‭ ‬وتخفيف‭ ‬الآلام،‭ ‬أحبت‭ ‬الخير‭ ‬للناس‭ ‬حتى‭ ‬العناد،‭ ‬وتحدت‭ ‬العواصف‭ ‬وحافظت‭ ‬على‭ ‬شمعتها‭ ‬الصغيرة‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تنطفئ‭ ‬لتنير‭ ‬الطريق‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬يعرفها‭. ‬حنان‭ ‬علي‭ ‬حمد‭ ‬الرويعي‭ ‬“شقيقة‭ ‬زوجتي”‭ ‬التي‭ ‬رحلت‭ ‬يوم‭ ‬أمس‭ ‬الأول‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الدنيا‭ ‬الفانية،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬امرأة‭ ‬عادية‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الظروف‭ ‬والأحوال،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬ألوانا‭ ‬بهية‭ ‬تراها‭ ‬العين‭ ‬البشرية،‭ ‬مفاجآت‭ ‬رائعة‭ ‬لا‭ ‬تعد‭ ‬وتحصى،‭ ‬قلب‭ ‬نظيف‭ ‬وطاهر،‭ ‬قدمت‭ ‬رسالتها‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬بامتياز،‭ ‬كانت‭ ‬بالنسبة‭ ‬لنا‭ ‬خطبة‭ ‬وموعظة‭ ‬في‭ ‬الحق‭ ‬والخير‭ ‬والفضيلة‭ ‬والمساندة‭ ‬للتغلب‭ ‬على‭ ‬مشاكل‭ ‬الحياة‭ ‬وصدماتها،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬واجهتها‭ ‬كأي‭ ‬امرأة‭ ‬كانت‭ ‬ترى‭ ‬الدنيا‭ ‬باسمة‭ ‬أمامها‭ ‬وتردد‭ ‬عبارتها‭ ‬التي‭ ‬حفظناها‭ ‬عن‭ ‬ظهر‭ ‬قلب‭ ‬“الحمد‭ ‬لله‭.. ‬شيسوي‭ ‬الواحد”‭.‬

يمر‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬تقلبات‭ ‬كثيرة‭ ‬وقاسية‭ ‬وظروف‭ ‬صعبة‭ ‬وشديدة،‭ ‬لكن‭ ‬القوي‭ ‬من‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يتخطى‭ ‬تلك‭ ‬الدروب‭ ‬ويقف‭ ‬على‭ ‬مسرح‭ ‬الحياة‭ ‬متوازنا،‭ ‬لأنه‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬الحياة‭ ‬ممتدة‭ ‬أمامه‭ ‬تنبسط‭ ‬ثم‭ ‬تتلوى‭ ‬وتنحني‭ ‬ثم‭ ‬تختفي‭ ‬في‭ ‬بطون‭ ‬الأودية،‭ ‬وقد‭ ‬تمتد‭ ‬صعودا‭ ‬في‭ ‬سفوح‭ ‬الجبال‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تختفي‭ ‬وراء‭ ‬الأفق‭ ‬البعيد،‭ ‬وهنا‭ ‬يتساءل‭.. ‬ماذا‭ ‬تعني‭ ‬يا‭ ‬ترى،‭ ‬وكم‭ ‬الذين‭ ‬يدركون‭ ‬أسرارها؟‭ ‬حنان‭ ‬الرويعي‭ ‬كانت‭ ‬تعيد‭ ‬على‭ ‬مسامعنا‭ ‬دون‭ ‬شعور‭ ‬مقولة‭ ‬شكسبير‭ ‬الشهيرة‭ ‬“إلى‭ ‬الفناء‭ ‬أيتها‭ ‬الشمعة‭ ‬الصغيرة،‭ ‬فالحياة‭ ‬ظل‭ ‬زائل‭ ‬وممثل‭ ‬هزيل‭ ‬يتخطر‭ ‬مضطربا‭ ‬على‭ ‬مسرح‭ ‬الحياة،‭ ‬ثم‭ ‬يختفي‭ ‬وراء‭ ‬الستار‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬يعود‭ ‬أبدا”‭.‬

نعم‭.. ‬لن‭ ‬تعودي‭ ‬إلينا‭ ‬يا‭ ‬“أم‭ ‬مريم”‭ ‬وستكونين‭ ‬مثل‭ ‬خيوط‭ ‬الحلم‭ ‬تتربعين‭ ‬على‭ ‬عروش‭ ‬الروعة،‭ ‬وسيبقى‭ ‬اسمك‭ ‬يشع‭ ‬كما‭ ‬النجمة،‭ ‬كمفاتيح‭ ‬بيانو‭ ‬هائل‭ ‬ترسم‭ ‬نغمة‭ ‬الضوء‭ ‬في‭ ‬طريقنا،‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬سيقفز‭ ‬اسمك‭ ‬من‭ ‬التربة‭ ‬كصورة‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬أهل‭ ‬الخلود‭ ‬وسيحلق‭ ‬فوق‭ ‬رؤوسنا‭ ‬ويجعل‭ ‬الدنيا‭ ‬نجما‭ ‬جميلا‭ ‬ضحوكا،‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬للأرض‭ ‬أوجاع،‭ ‬فرحيلك‭ ‬السريع‭ ‬عنا‭ ‬هو‭ ‬وجع‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬الفسيح‭ ‬الذي‭ ‬اعترته‭ ‬شهقة‭ ‬خرساء،‭ ‬فلروحك‭ ‬الطاهرة‭ ‬السلام‭ ‬“يا‭ ‬أروع‭ ‬الأمهات‭ ‬والخوات”‭ ‬التي‭ ‬جادت‭ ‬بها‭ ‬البشرية‭.‬