حياد هيئة التحكيم

| د. عبدالقادر ورسمه

الرغبة‭ ‬في‭ ‬اللجوء‭ ‬للتحكيم‭ ‬لحسم‭ ‬المنازعات‭ ‬تعود‭ ‬لأطراف‭ ‬النزاع،‭ ‬لأن‭ ‬التحكيم‭ ‬إرادة‭ ‬الأطراف‭ ‬الطوعية‭ ‬حيث‭ ‬يختارون‭ ‬التحكيم‭ ‬لتسوية‭ ‬النزاع‭.‬‭ ‬وهذه‭ ‬الرغبة‭ ‬يحميها‭ ‬القانون‭ ‬بمنح‭ ‬التحكيم‭ ‬القوة‭ ‬لنفاذ‭ ‬قرار‭ ‬التحكيم‭. ‬ولكن،‭ ‬هناك‭ ‬شروطا‭ ‬يجب‭ ‬توفرها‭ ‬ليصبح‭ ‬التحكيم‭ ‬نافذا‭ ‬بالقانون‭. ‬اختيار‭ ‬هيئة‭ ‬التحكيم‭ ‬وأعمالها‭ ‬الإجرائية‭ ‬ومدة‭ ‬عملها‭ ‬وكيفية‭ ‬عزلها،‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬النقاط‭ ‬تحددها‭ ‬القوانين‭ ‬في‭ ‬أحكام‭ ‬إلزامية،‭ ‬وعلى‭ ‬الهيئة‭ ‬الالتزام‭ ‬بهذه‭ ‬الأحكام‭. ‬وكل‭ ‬هذه‭ ‬الأحكام‭ ‬يجب‭ ‬مراعاتها،‭ ‬حتي‭ ‬يتمكن‭ ‬“التحكيم”‭ ‬من‭ ‬القيام‭ ‬بدوره‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬لأطراف‭ ‬النزاع‭. ‬

ومن‭ ‬أهم‭ ‬الأحكام‭ ‬الإلزامية،‭ ‬ضرورة‭ ‬حياد‭ ‬“نيوترلاتي”‭ ‬هيئة‭ ‬التحكيم‭ ‬وعدم‭ ‬وجود‭ ‬أي‭ ‬علاقة‭ ‬أو‭ ‬رابط‭ ‬أو‭ ‬تواصل‭ ‬بين‭ ‬هيئة‭ ‬التحكيم‭ ‬وأطراف‭ ‬النزاع‭ ‬أو‭ ‬موضوع‭ ‬النزاع‭. ‬ووفق‭ ‬هذه‭ ‬القاعدة‭ ‬الأصولية‭ ‬الجوهرية‭ ‬فإن‭ ‬حياد‭ ‬هيئة‭ ‬التحكيم‭ ‬أمر‭ ‬إلزامي‭ ‬يجب‭ ‬توافره‭ ‬وبصورة‭ ‬مطلقة‭ ‬ونهائية‭. ‬حياد‭ ‬هيئة‭ ‬التحكيم‭ ‬وعدم‭ ‬وجود‭ ‬علاقة‭ ‬مع‭ ‬أطراف‭ ‬وموضوع‭ ‬النزاع،‭ ‬أمر‭ ‬هام‭ ‬لأنه‭ ‬يضمن‭ ‬عدم‭ ‬تأثر‭ ‬هيئة‭ ‬التحكيم‭ ‬بهذه‭ ‬“العلاقة”‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تؤثر‭ ‬أو‭ ‬تلقي‭ ‬بظلالها‭ ‬على‭ ‬القرار‭ ‬النهائي‭ ‬المنهي‭ ‬للخصومة‭. ‬والبشر‭ ‬يتأثرون‭ ‬سلبا‭ ‬أو‭ ‬إيجابا،‭ ‬بهذه‭ ‬العلاقات،‭ ‬لذا‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬تكون‭ ‬موجودة‭ ‬حتى‭ ‬يتوافر‭ ‬الحياد‭. ‬

من‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬والقانون،‭ ‬فإن‭ ‬عدم‭ ‬توافر‭ ‬“حياد”‭ ‬هيئة‭ ‬التحكيم‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬“نسف”‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬لأن‭ ‬عدم‭ ‬الحياد‭ ‬التام،‭ ‬ولأي‭ ‬درجة،‭ ‬يقود‭ ‬الطرف‭ ‬المتضرر‭ ‬للتقدم‭ ‬بالطعن‭ ‬لنقض‭ ‬حكم‭ ‬التحكيم‭. ‬وإذا‭ ‬ثبت‭ ‬عدم‭ ‬توافر‭ ‬الحياد،‭ ‬فإن‭ ‬المحكمة‭ ‬المختصة‭ ‬ستقضي‭ ‬ببطلان‭ ‬حكم‭ ‬التحكيم،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬“نسف”‭ ‬للتحكيم‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬وإهدار‭ ‬للوقت‭ ‬والمال‭ ‬وعدم‭ ‬احترام‭ ‬العدالة‭ ‬بل‭ ‬إعاقتها‭ ‬وامتهانها‭. ‬وعلى‭ ‬الجميع‭ ‬أن‭ ‬يدرك،‭ ‬أن‭ ‬الطرف‭ ‬المتضرر‭ ‬سيبحث‭ ‬عن‭ ‬“القشة”‭ ‬لقصم‭ ‬ظهر‭ ‬البعير،‭ ‬وهذا‭ ‬طبيعي‭. ‬

كمبدأ‭ ‬عام،‭ ‬فإن‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬الحياد‭ ‬يعتبر‭ ‬من‭ ‬المسؤوليات‭ ‬المباشرة‭ ‬لكل‭ ‬عضو‭. ‬وهذا‭ ‬الإعلان‭ ‬يتم‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬اختيار‭ ‬هيئة‭ ‬التحكيم،‭ ‬إذ‭ ‬يطلب‭ ‬ممن‭ ‬يتم‭ ‬اختياره‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬أي‭ ‬علاقة‭ ‬مع‭ ‬أطراف‭ ‬النزاع‭ ‬أو‭ ‬القضية‭ ‬موضوع‭ ‬النزاع‭. ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬الأولية،‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬العضو‭ ‬تأكيد‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬أي‭ ‬علاقة‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬مما‭ ‬يؤكد‭ ‬حياده‭ ‬التام‭. ‬وأيضا‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت،‭ ‬عليه‭ ‬الإفصاح‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬أي‭ ‬علاقة‭ ‬مباشرة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مباشرة‭ ‬بأطراف‭ ‬النزاع‭ ‬أو‭ ‬القضية،‭ ‬وهنا،‭ ‬على‭ ‬أطراف‭ ‬النزاع‭ ‬تقرير‭ ‬السماح‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬السماح‭ ‬له‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬يرونه‭ ‬لتحقيق‭ ‬مصالحهم‭. ‬والأمر‭ ‬هنا‭ ‬يعود‭ ‬لكل‭ ‬حالة‭ ‬على‭ ‬حدة‭ ‬وعلى‭ ‬حسب‭ ‬الظروف‭ ‬المعلن‭ ‬عنها‭ ‬وحسب‭ ‬ظروف‭ ‬الأطراف‭ ‬والقضية‭. ‬

وعلى‭ ‬العضو‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أمينًا،‭ ‬وهذه‭ ‬الأمانة‭ ‬تتطلب‭ ‬منه‭ ‬الإفصاح‭ ‬التام‭ ‬وعدم‭ ‬التستر‭ ‬أو‭ ‬الخداع‭ ‬أو‭ ‬التمويه،‭ ‬بل‭ ‬عليه‭ ‬توضيح‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬العلاقة‭ ‬ومهما‭ ‬كانت،‭ ‬وإلا‭ ‬سقط‭ ‬عن‭ ‬“الحياد”‭ ‬وعليه‭ ‬تحمل‭ ‬النتائج‭ ‬المترتبة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التصرف‭ ‬غير‭ ‬السليم‭ ‬البعيد‭ ‬عن‭ ‬المهنية‭. ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬التوضيح،‭ ‬أن‭ ‬العضو‭ ‬ربما‭ ‬يتبين‭ ‬له‭ ‬عدم‭ ‬توافر‭ ‬الحياد‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬لحظة‭ ‬أثناء‭ ‬التحكيم،‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الحالات‭ ‬عليه‭ ‬الإفصاح‭ ‬الفوري‭ ‬عن‭ ‬الوضع‭ ‬لهيئة‭ ‬التحكيم‭ ‬وأطراف‭ ‬النزاع‭ ‬وللدرجة‭ ‬التي‭ ‬تمكنهم‭ ‬من‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرار‭ ‬المناسب‭ ‬بخصوص‭ ‬استمراره‭. ‬والأمر‭ ‬يعود‭ ‬لهم‭ ‬وحدهم‭ ‬وعليه‭ ‬الانصياع‭ ‬لقرارهم‭. ‬الحياد‭ ‬ضمان‭ ‬للعدالة‭. ‬