مُلتقطات

“خيانةٌ” بلا شروط!

| د. جاسم المحاري

هذا‭ ‬“الميثاق‭ ‬الغليظ”‭ ‬الذي‭ ‬يتبوأ‭ ‬مكانة‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬العلاقات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لجميع‭ ‬التجمعات‭ ‬الإنسانية‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء؛‭ ‬عُدّ‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬أسمى‭ ‬العقود‭ ‬التي‭ ‬تُبرم‭ ‬بين‭ ‬شركاء‭ ‬تلك‭ ‬العلاقات‭ ‬–‭ ‬من‭ ‬الرجل‭ ‬والمرأة‭ ‬بوطءٍ‭ ‬أو‭ ‬دون‭ ‬وطءٍ،‭ ‬هذا‭ ‬الميثاق‭ ‬الغليظ‭ ‬المُسمّى‭ ‬الزواج‭ ‬الذي‭ ‬يُعطي‭ ‬وِفق‭ ‬شرعة‭ ‬السماء‭ ‬وشروطها‭ ‬حقّاً‭ ‬شرعياً‭ ‬لكلٍّ‭ ‬من‭ ‬الرجل‭ ‬باعتباره‭ ‬“زوجاً”‭ ‬والمرأة‭ ‬باعتبارها‭ ‬“زوجة”‭ ‬حقّ‭ ‬الاستمتاع‭ ‬المباح‭ ‬بالآخر‭ ‬على‭ ‬الوجه‭ ‬المشرّع‭ ‬الذي‭ ‬صيّرته‭ ‬تلك‭ ‬السنن‭ ‬الغرّاء‭ ‬باشتراط‭ ‬الإيجاب‭ ‬والقبول‭ ‬والإشهار؛‭ ‬أضحى‭ ‬السبيل‭ ‬اليتيم‭ ‬الذي‭ ‬فرضه‭ ‬الكبير‭ ‬المتعال‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التوالد‭ ‬والتكاثر‭ ‬والاستمرار‭ ‬السليم‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تباين‭ ‬الدهور‭ ‬والأزمان‭ ‬واختلاف‭ ‬النّحل‭ ‬والمذاهب‭ ‬وتنوّع‭ ‬النعوت‭ ‬والمسميات‭ ‬واستيفاء‭ ‬الشروط‭ ‬والأركان‭ ‬في‭ ‬الصداق‭ ‬والولاية‭ ‬حسب‭ ‬مقاصده‭ ‬المتفاوتة‭ ‬ومعاييره‭ ‬النسبية،‭ ‬ووفق‭ ‬ضوابطه‭ ‬وأصوله‭ ‬الدينية‭ ‬وأُطره‭ ‬وحدوده‭ ‬القانونية‭.‬

بطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬تنتفي‭ ‬“قدسّية”‭ ‬هذا‭ ‬الاتحاد‭ ‬الزوجي‭ ‬المتكامل‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تعرّض‭ ‬لهتك‭ ‬المُهلكات‭ ‬ونوبات‭ ‬الملل‭ ‬وقلاقل‭ ‬التفاهم‭ ‬وهزّات‭ ‬الإشكالات‭ ‬النفسية‭ ‬وغياب‭ ‬الوداد‭ ‬وفقدان‭ ‬الولع‭ ‬وقصور‭ ‬الاهتمام‭ ‬المتبادل‭ ‬ومزعزعات‭ ‬التواصل‭ ‬العاطفي‭ ‬ومتطلبات‭ ‬العلاقة‭ ‬الثابتة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬منعطفات‭ ‬الإشكال‭ ‬الصحي‭ ‬والبدني‭ ‬وآلامه‭ ‬المزمنة‭ ‬ومُعيقاته‭ ‬العقلية‭ ‬واضطراباته‭ ‬المؤثرة،‭ ‬بل‭ ‬إنّ‭ ‬قداسة‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسة‭ ‬الزوجية‭ ‬تتقهقر‭ ‬سريعاً‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تلطخت‭ ‬بذنب‭ ‬“الخيانة”‭ ‬التي‭ ‬تُحولّها‭ ‬جحيماً‭ ‬لا‭ ‬يُطاق‭ ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬كانت‭ ‬نعيماً‭ ‬مرغوباً‭ ‬لأمور‭ ‬عالقة،‭ ‬أُهمِلت‭ ‬فيها‭ ‬أدوار‭ ‬العواطف‭ ‬التي‭ ‬تنتقص‭ ‬العطاء‭ ‬المحمود‭ ‬ورسخّتْ‭ ‬فيها‭ ‬براثن‭ ‬العار‭ ‬التي‭ ‬تُعمّق‭ ‬التفكك‭ ‬المذموم‭ ‬وترفع‭ ‬من‭ ‬منسوب‭ ‬الألم‭ ‬والدمار‭ ‬وتأنيب‭ ‬الضمير‭ ‬وتعميق‭ ‬التصارع‭ ‬وتقويض‭ ‬أسس‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسة‭ ‬المقدسّة‭. ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬تتوالى‭ ‬الأمثلة‭ ‬الحية‭ ‬لعشرات‭ ‬الحالات‭ ‬من‭ ‬الأمّهات‭ ‬اللائي‭ ‬يعتصر‭ ‬قلبهن‭ ‬ألماً‭ ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬أثمرت‭ ‬عشرتهنّ‭ ‬الزوجية،‭ ‬بنين‭ ‬وبنات‭ ‬تشاركوا‭ ‬فيها‭ ‬مرارة‭ ‬الألم‭ ‬وجحيم‭ ‬الحياة‭ ‬لشريك‭ ‬أجاد‭ ‬فنون‭ ‬الإخلال‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬وإشاعة‭ ‬الخيانة‭ ‬وتشويه‭ ‬السمعة‭ ‬التي‭ ‬زادت‭ ‬منسوبها‭ ‬كثرة‭ ‬السهر‭ ‬حتى‭ ‬ساعات‭ ‬الفجر‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬المقاهي‭ ‬والفنادق‭ ‬دون‭ ‬أدنى‭ ‬احترام‭ ‬للمبادئ‭ ‬السّمحة‭ ‬أو‭ ‬مراعاةٍ‭ ‬للأصول‭ ‬المتعارفة‭! ‬

نافلة‭:‬

بين‭ ‬الفينة‭ ‬والأخرى،‭ ‬تتعرض‭ ‬المؤسسة‭ ‬الزوجية‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬هالة‭ ‬من‭ ‬القداسة‭ ‬إلى‭ ‬“رشقات”‭ ‬من‭ ‬رصاص‭ ‬مسموم،‭ ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬تلعب‭ ‬“موبقات”‭ ‬الخيانة‭ ‬أدوارها‭ ‬في‭ ‬عفافها‭ - ‬من‭ ‬الرجل‭ ‬والمرأة‭ ‬على‭ ‬حدّ‭ ‬سواء‭ ‬–‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬“بعثَرة”‭ ‬العلاقات‭ ‬العابرة‭ ‬و”مُجافاة”‭ ‬الاعتبارات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬تنبذ‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬السعادة‭ ‬الزوجية‭ ‬والإشباع‭ ‬الحلال‭ ‬حين‭ ‬يعيش‭ ‬الرجل‭ ‬بطلاً‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تداخل‭ ‬علاقاته‭ ‬المتعددة،‭ ‬أو‭ ‬حين‭ ‬تعيش‭ ‬المرأة‭ ‬أدوار‭ ‬الانتقام‭ ‬والتنازل‭ ‬عن‭ ‬الامتياز‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬إلى‭ ‬حيث‭ ‬تنتهي‭ ‬بأبغض‭ ‬الحلال‭ ‬حين‭ ‬تكون‭ ‬الزوجة‭ ‬علتها،‭ ‬أو‭ ‬قد‭ ‬تستمر‭ ‬بالمشاكل‭ ‬حين‭ ‬يكون‭ ‬الزوج‭ ‬سببها‭ ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬تؤثر‭ ‬فيها‭ ‬بعض‭ ‬النساء‭ ‬الصبر‭ ‬على‭ ‬قساوة‭ ‬المجتمع‭.‬