“مجالسنا مدارسنا”... تراث ينبغي المحافظة عليه

| عبدالنبي الشعلة

كلما‭ ‬سمعت‭ ‬الحكمة‭ ‬المعروفة‭ ‬التي‭ ‬تقول‭ ‬“مجالسنا‭ ‬مدارسنا”‭ ‬تعود‭ ‬بي‭ ‬الذاكرة‭ ‬إلى‭ ‬الوراء؛‭ ‬إلى‭ ‬مجلس‭ ‬المرحوم‭ ‬منصور‭ ‬العريض‭ ‬الذي‭ ‬كنت‭ ‬أواظب‭ ‬على‭ ‬حضوره‭ ‬لثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬متواصلة‭ ‬حتى‭ ‬بلوغي‭ ‬سن‭ ‬العشرين،‭ ‬والذي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬مشاهده‭ ‬عالقة‭ ‬في‭ ‬ذهني‭ ‬رغم‭ ‬تراكم‭ ‬وتعاقب‭ ‬السنين‭.‬

وعندما‭ ‬قرأت‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬صدر‭ ‬بنهاية‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬بعنوان‭ ‬“منصور‭ ‬العريض‭.. ‬تاريخ‭ ‬وطن”‭ ‬نهضت‭ ‬ذاكرتي‭ ‬لتعيد‭ ‬شريط‭ ‬الذكريات‭ ‬لتجربة‭ ‬“مدارس‭ ‬المجالس”‭ ‬التي‭ ‬أتمنى‭ ‬من‭ ‬أجيال‭ ‬اليوم‭ ‬والغد‭ ‬أن‭ ‬يبادروا‭ ‬إلى‭ ‬إحيائها‭ ‬والمحافظة‭ ‬عليها‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬توفر‭ ‬الوسائل‭ ‬والأجهزة‭ ‬الإلكترونية‭ ‬الحديثة‭ ‬التي‭ ‬تتيح‭ ‬لهم‭ ‬وتضع‭ ‬بين‭ ‬أيديهم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يحتاجون‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬المعلومات‭ ‬والمعارف‭.‬

ففي‭ ‬العام‭ ‬1965‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬أنهيت‭ ‬دراستي‭ ‬الثانوية،‭ ‬وقبل‭ ‬انخراطي‭ ‬بالدراسة‭ ‬الجامعية،‭ ‬التحقت‭ ‬بالعمل‭ ‬كموظف‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬مؤسسات‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬الصغيرة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تزويد‭ ‬مواد‭ ‬البناء،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الرمال‭ ‬والأتربة‭ ‬المستخدمة‭ ‬للردم‭ ‬والدفن‭.‬

وفي‭ ‬الأسبوع‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬التحاقي‭ ‬بالشركة‭ ‬اصطحبني‭ ‬صاحبها‭ ‬لزيارة‭ ‬رجل‭ ‬الأعمال‭ ‬وتاجر‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬المشهور‭ ‬منصور‭ ‬العريض‭ ‬في‭ ‬مجلسه،‭ ‬ببيته‭ ‬الواقع‭ ‬في‭ ‬“فريج‭ ‬الحطب”‭ ‬أو‭ ‬“فريج‭ ‬كانو”‭ ‬بالمنامة،‭ ‬وكان‭ ‬المجلس‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬قاعة‭ ‬جلوس‭ ‬كبيرة،‭ ‬عالية‭ ‬السقف،‭ ‬يستقبل‭ ‬فيها‭ ‬ضيوفه‭ ‬ويستخدمها‭ ‬كمكتب‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬وكان‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬الزيارة‭ ‬التوقيع‭ ‬على‭ ‬اتفاق‭ ‬معه،‭ ‬من‭ ‬ورقة‭ ‬واحدة،‭ ‬لدفن‭ ‬قطعة‭ ‬أرض‭ ‬بحرية‭ ‬صغيرة‭ ‬يملكها‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الحورة‭ ‬من‭ ‬المنامة‭.‬

ومثل‭ ‬بيوت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التجار‭ ‬وعلية‭ ‬القوم‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬الباب‭ ‬الكبير‭ ‬للبيت‭ ‬الكبير‭ ‬لمنصور‭ ‬العريض‭ ‬مفتوحا‭ ‬دائمًا،‭ ‬من‭ ‬ساعات‭ ‬الصباح‭ ‬الأولى‭ ‬إلى‭ ‬منتصف‭ ‬الليل،‭ ‬وكان‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ردهة‭ ‬صغيرة‭ ‬عند‭ ‬المدخل،‭ ‬ثم‭ ‬أخرى‭ ‬أكبر‭ ‬منها‭ ‬يطل‭ ‬عليها‭ ‬المجلس‭ ‬أو‭ ‬قاعة‭ ‬الجلوس،‭ ‬ولا‭ ‬أزال‭ ‬رغم‭ ‬مرور‭ ‬السنين‭ ‬أشم‭ ‬وأتحسس‭ ‬عبق‭ ‬الأصالة‭ ‬والبساطة‭ ‬والوقار‭ ‬والثراء‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تفوح‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الجدران‭ ‬السميكة‭ ‬لذلك‭ ‬البيت،‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬تطله‭ ‬وقتها‭ ‬يد‭ ‬الصيانة‭ ‬أو‭ ‬التجديد‭ ‬لفترة‭ ‬طويلة‭.‬

كنت‭ ‬قد‭ ‬سمعت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬عن‭ ‬صاحب‭ ‬الدار‭ ‬ومكانته‭ ‬ومقامه‭ ‬وحكمته‭ ‬وحنكته،‭ ‬وكنت‭ ‬أتطلع‭ ‬إلى‭ ‬لقائه،‭ ‬ولم‭ ‬أستطع‭ ‬أن‭ ‬أصدق‭ ‬أن‭ ‬صاحب‭ ‬هذا‭ ‬المقام‭ ‬الرفيع‭ ‬هو‭ ‬إنسان‭ ‬عصامي‭ ‬كفيف‭ ‬البصر،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬القناعة‭ ‬وقتها،‭ ‬وربما‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬عند‭ ‬بعض‭ ‬الناس،‭ ‬أن‭ ‬فقدان‭ ‬البصر‭ ‬يشكل‭ ‬إعاقة‭ ‬مقعدة‭ ‬تمنع‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬أداء‭ ‬عمله،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬طموحاته‭ ‬وتطلعاته‭.‬

وبالفعل‭ ‬عندما‭ ‬دخلت‭ ‬المجلس‭ ‬وجدت‭ ‬صاحب‭ ‬الدار‭ ‬رجلًا‭ ‬كفيف‭ ‬البصر،‭ ‬طويل‭ ‬القامة،‭ ‬ممتلئ‭ ‬الجسم،‭ ‬أصلع،‭ ‬حاسر‭ ‬الرأس،‭ ‬يلبس‭ ‬لباسا‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬البساطة‭ ‬لا‭ ‬يتعدى‭ ‬إزارًا‭ ‬وقميصًا‭ ‬أبيضين،‭ ‬وينتعل‭ ‬نعالًا‭ ‬عاديًا،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬له‭ ‬مهابة‭ ‬وثقل‭ ‬ورزانة،‭ ‬وحضور‭ ‬كاسح‭ ‬محسوس‭ ‬لا‭ ‬يجعلك‭ ‬تشعر‭ ‬بالشفقة‭ ‬والعطف‭ ‬عليه‭ ‬لفقده‭ ‬نعمة‭ ‬البصر،‭ ‬ولكن‭ ‬بالإكبار‭ ‬وبالتقدير‭ ‬لشكيمة‭ ‬رجل‭ ‬يتحدى‭ ‬الظلام،‭ ‬وإنسان‭ ‬يتجاوز‭ ‬حدود‭ ‬الثروة‭ ‬المادية‭ ‬إلى‭ ‬الثراء‭ ‬النفسي،‭ ‬فتصبح‭ ‬البساطة‭ ‬والتواضع‭ ‬عنوانين‭ ‬للغنى‭ ‬والرفعة‭ ‬ومنابع‭ ‬الهيبة‭ ‬والوقار‭.‬

بعد‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬تكررت‭ ‬وانتظمت‭ ‬زياراتي‭ ‬المسائية‭ ‬لذلك‭ ‬المجلس‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬المدرسة،‭ ‬وازداد‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬تقديري‭ ‬واحترامي‭ ‬وإعجابي‭ ‬بتلك‭ ‬الشخصية‭ ‬المميزة،‭ ‬وتعلمت‭ ‬في‭ ‬مجلسه‭ ‬معاني‭ ‬الثقة‭ ‬والأمل‭ ‬والتحدي،‭ ‬وعرفت‭ ‬فيه‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬البصر‭ ‬والبصيرة،‭ ‬وبين‭ ‬النظر‭ ‬والرؤية‭ ‬وبُعد‭ ‬النظر،‭ ‬ورأيت‭ ‬كلمة‭ ‬“التناقض”‭ ‬تتخلى‭ ‬عن‭ ‬معانيها‭ ‬ومضامينها‭ ‬عندما‭ ‬يفقد‭ ‬الإنسان‭ ‬النظر‭ ‬ويحتفظ‭ ‬بالرؤية،‭ ‬وعندما‭ ‬يفقد‭ ‬البصر‭ ‬ويظل‭ ‬محتفظًا‭ ‬بالبصيرة،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬أغادر‭ ‬فيها‭ ‬ذلك‭ ‬المجلس‭ ‬كان‭ ‬يغمر‭ ‬وجداني‭ ‬قول‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬“فإنها‭ ‬لا‭ ‬تعمى‭ ‬الأبصار،‭ ‬ولكن‭ ‬تعمى‭ ‬القلوب‭ ‬التي‭ ‬في‭ ‬الصدور”،‭ ‬وقد‭ ‬رأيت‭ ‬لاحقًا‭ ‬وبأم‭ ‬عيني‭ ‬ذلك‭ ‬الرجل‭ ‬الضرير‭ ‬يستعان‭ ‬بخبراته‭ ‬في‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬أصالة‭ ‬وجودة‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬الطبيعي‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬تحسسها‭ ‬ولمسها‭ ‬بأصابعه‭ ‬وتذوقها‭ ‬بلسانه‭ ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬الدهشة‭ ‬والاستغراب‭ ‬والإعجاب‭.‬

وقد‭ ‬جمع‭ ‬منصور‭ ‬العريض‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬صفات‭ ‬وخصالا‭ ‬قلما‭ ‬تجتمع‭ ‬في‭ ‬شخص‭ ‬واحد،‭ ‬وكان‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬مجلسه‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬وأحاديث‭ ‬تشكل‭ ‬سطورًا‭ ‬كتبت‭ ‬أو‭ ‬كانت‭ ‬تكتب‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة،‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬المعاملات‭ ‬والصفقات‭ ‬التجارية‭ ‬التي‭ ‬تناقش‭ ‬أو‭ ‬تُبرم‭ ‬في‭ ‬المجلس،‭ ‬يبرز‭ ‬منصور‭ ‬العريض‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬ويتألق‭ ‬كرجل‭ ‬ذي‭ ‬رؤية‭ ‬اقتصادية‭ ‬نافذة‭ ‬وعقلية‭ ‬تجارية‭ ‬متوقدة‭.‬

وإلى‭ ‬جانب‭ ‬حنكته‭ ‬وحذاقته‭ ‬التجارية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬منصور‭ ‬العريض‭ ‬شخصية‭ ‬وطنية‭ ‬إصلاحية‭ ‬واعية،‭ ‬بضمير‭ ‬وطني‭ ‬مخلص،‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬اللحمة‭ ‬والوحدة‭ ‬الوطنية،‭ ‬وينفر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬نفس‭ ‬طائفي،‭ ‬وكان‭ ‬يتمتع‭ ‬بحس‭ ‬سياسي‭ ‬ناضج،‭ ‬يرفض‭ ‬العنف‭ ‬والمواجهة‭ ‬ويؤمن‭ ‬بالتعاون‭ ‬والحوار‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬صقلته‭ ‬تجربته‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬ومعاصرته‭ ‬لحركة‭ ‬الاستقلال‭ ‬فيها،‭ ‬ومتابعته‭ ‬لمسيرة‭ ‬قادتها‭ ‬من‭ ‬أمثال‭ ‬غاندي‭ ‬ونهرو؛‭ ‬ولذلك‭ ‬فإنه‭ ‬لم‭ ‬ينجذب‭ ‬أو‭ ‬يتقبل‭ ‬دعوات‭ ‬العنف‭ ‬والحركات‭ ‬الانقلابية‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الخمسينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬ولم‭ ‬ينجرف‭ ‬مع‭ ‬التيارات‭ ‬القومية‭ ‬بشعاراتها‭ ‬البراقة‭ ‬التي‭ ‬اكتسحت‭ ‬الساحة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭.‬

ومع‭ ‬أن‭ ‬تعليم‭ ‬منصور‭ ‬العريض‭ ‬انحصر‭ ‬في‭ ‬الأسلوب‭ ‬التقليدي‭ ‬بحفظ‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬في‭ ‬الكتاتيب‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬والدته؛‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬منَّ‭ ‬عليه‭ ‬بذكاء‭ ‬خارق‭ ‬وانفتاح‭ ‬فكري‭ ‬واسع‭ ‬وذاكرة‭ ‬قوية‭ ‬وفطنة‭ ‬فطرية‭ ‬جعلته‭ ‬يمتاز‭ ‬باطلاع‭ ‬عميق‭ ‬وثقافة‭ ‬مبهرة‭ ‬اكتسبها‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التجارب‭ ‬والممارسات‭ ‬والسفر‭ ‬والاختلاط،‭ ‬والمثابرة‭ ‬على‭ ‬القراءة‭ (‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يفقد‭ ‬بصره‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1956‭).‬

وكان‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬شخصا‭ ‬فخورا‭ ‬بتراثه،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬يرى‭ ‬أي‭ ‬تضارب‭ ‬أو‭ ‬تعارض‭ ‬بين‭ ‬الدين‭ ‬والأصالة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬والعلم‭ ‬والحداثة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬فأصبح‭ ‬نتيجة‭ ‬لذلك‭ ‬كله‭ ‬رجلا‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الشجاعة‭ ‬والجرأة‭ ‬في‭ ‬طرح‭ ‬أفكاره‭ ‬وآرائه‭ ‬التي‭ ‬اتسمت‭ ‬بالحكمة‭ ‬والروية‭ ‬والاعتدال‭ ‬والوسطية‭ ‬والتسامح‭ ‬واحترام‭ ‬رأي‭ ‬الآخرين‭.‬

وقد‭ ‬رأيت‭ ‬كبار‭ ‬التجار‭ ‬وصغارهم،‭ ‬ورجال‭ ‬الدين‭ ‬والثقافة‭ ‬وغيرهم‭ ‬يرتادون‭ ‬مجلسه‭ ‬بانتظام،‭ ‬رأيته‭ ‬يرحب‭ ‬بكل‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬ضيوفه‭ ‬بالاسم،‭ ‬ويتعرف‭ ‬عليه‭ ‬عند‭ ‬دخوله‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬صوته‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬دونه،‭ ‬ورأيته‭ ‬يتحدث‭ ‬للتجار‭ ‬الهنود‭ ‬باللغة‭ ‬الهندية‭ ‬والإيرانيين‭ ‬بالفارسية،‭ ‬وسمعت‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المجلس‭ ‬قصصا‭ ‬وحكايات‭ ‬وروايات‭ ‬عن‭ ‬أحداث‭ ‬ووقائع‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬تحمل‭ ‬بين‭ ‬طياتها‭ ‬ثروة‭ ‬من‭ ‬الخبرات‭ ‬والتجارب‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬التجارة،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬تجارة‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬وأنواعه‭ ‬وخصائصه‭ ‬واختلاف‭ ‬أحجامه‭ ‬وألوانه‭ ‬وأصنافه‭ ‬وأجودها،‭ ‬وأسماء‭ ‬الملوك‭ ‬والأمراء‭ ‬والمهراجات‭ ‬الذين‭ ‬يحرصون‭ ‬على‭ ‬اقتناء‭ ‬أفضل‭ ‬أنواع‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬البحريني،‭ ‬وتجارة‭ ‬الذهب‭ ‬والمجوهرات،‭ ‬وتجارة‭ ‬العقار،‭ ‬والبناء،‭ ‬واستصلاح‭ ‬الأراضي‭ ‬والزراعة‭ ‬ومختلف‭ ‬إنتاجها،‭ ‬وأنواع‭ ‬الرطب‭ ‬والتمور،‭ ‬ومواسم‭ ‬الحصاد‭ ‬والغوص‭ ‬وصيد‭ ‬الأسماك،‭ ‬وقضايا‭ ‬الأدب‭ ‬والشعر‭ ‬والثقافة‭ ‬والسياسة‭. ‬كما‭ ‬تتردد‭ ‬في‭ ‬المجلس‭ ‬دائمًا‭ ‬أسماء‭ ‬مدن‭ ‬الخليج‭ ‬وموانئه،‭ ‬ومدينة‭ ‬بومباي‭ ‬ومومباسا‭ ‬وغيرهما،‭ ‬وأسماء‭ ‬قادة‭ ‬ومفكرين‭ ‬وشعراء،‭ ‬وقد‭ ‬شكل‭ ‬منصور‭ ‬العريض‭ ‬والرجال‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يرتادون‭ ‬مجلسه‭ ‬موسوعة‭ ‬متنوعة‭ ‬غنية‭ ‬بالأخبار‭ ‬والمعلومات‭ ‬والعلوم‭ ‬والمعارف‭.‬

في‭ ‬العام‭ ‬1968‭ ‬غادرت‭ ‬البحرين‭ ‬متوجها‭ ‬إلى‭ ‬الهند‭ ‬للدراسة،‭ ‬وفي‭ ‬العام‭ ‬نفسه‭ ‬انتقل‭ ‬الأسطورة‭ ‬منصور‭ ‬العريض‭ ‬إلى‭ ‬جوار‭ ‬ربه‭ ‬وتحت‭ ‬ظلال‭ ‬رحمته،‭ ‬تغمد‭ ‬الله‭ ‬روحه‭ ‬في‭ ‬فسيح‭ ‬جناته‭.‬