زبدة القول

“أمنيستي إنترناشيونال” وأخواتها ما تزال صامتة

| د. بثينة خليفة قاسم

منظمة‭ ‬العفو‭ ‬الدولية‭ ‬لم‭ ‬تسمع‭ ‬بعد‭ ‬عن‭ ‬الأم‭ ‬الفلسطينية‭ ‬التي‭ ‬قررت‭ ‬أن‭ ‬تنام‭ ‬هي‭ ‬وأولادها‭ ‬وأسرتها‭ ‬جميعا‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬واحدة‭ ‬لكي‭ ‬تضمن‭ ‬ألا‭ ‬يموت‭ ‬أحد‭ ‬ويبقى‭ ‬الآخر‭ ‬فيحزن‭ ‬من‭ ‬بقي‭ ‬حيا‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬قتلته‭ ‬صواريخ‭ ‬إسرائيل‭ ‬الظالمة،‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬الصورة‭ ‬الوحيدة‭ ‬المؤلمة‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬لكانت‭ ‬كافية‭ ‬لتحريك‭ ‬هذه‭ ‬المنظمة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المنظمات‭ ‬التي‭ ‬أشبعتنا‭ ‬تقارير‭ ‬وتنديدات‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وحقوق‭ ‬الشواذ‭ ‬والعنف‭ ‬الجنسي‭ ‬ضد‭ ‬المرأة‭.‬

مئات‭ ‬الصور‭ ‬البشعة‭ ‬وعشرات‭ ‬الأطفال‭ ‬القتلى‭ ‬لم‭ ‬يحركوا‭ ‬مشاعر‭ ‬منظمة‭ ‬العفو‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بتوثيق‭ ‬كل‭ ‬عطسة‭ ‬تعطسها‭ ‬الحكومات‭ ‬وتستند‭ ‬إلى‭ ‬كلام‭ ‬يكتبه‭ ‬لها‭ ‬بعض‭ ‬الخارجين‭ ‬عن‭ ‬القانون‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬العرب‭ ‬وتعلن‭ ‬أنها‭ ‬وثقت‭ ‬كذا‭ ‬وكذا‭ ‬وتعبر‭ ‬عن‭ ‬قلقها‭ ‬البالغ‭ ‬بسبب‭ ‬التضييق‭ ‬على‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬هنا‭ ‬أو‭ ‬هناك،‭ ‬لم‭ ‬تنطق‭ ‬بكلمة‭ ‬حول‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬ترتكبها‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بحق‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يرتكبوا‭ ‬شيئا‭ ‬سوى‭ ‬أنهم‭ ‬رفضوا‭ ‬ترك‭ ‬بيوتهم‭. ‬

المشاهد‭ ‬البشعة‭ ‬التي‭ ‬يراها‭ ‬العالم‭ ‬تؤكد‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬شعارات‭ ‬منظمات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬ليست‭ ‬حتى‭ ‬كلمات‭ ‬حق‭ ‬يراد‭ ‬بها‭ ‬باطل،‭ ‬لكنها‭ ‬كلمات‭ ‬باطل‭ ‬يراد‭ ‬بها‭ ‬باطل‭. ‬

كيف‭ ‬نصدق‭ ‬ما‭ ‬تقولون‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬الصمت‭ ‬المريب‭ ‬حول‭ ‬قتل‭ ‬مئات‭ ‬المدنيين‭ ‬بلا‭ ‬رحمة؟‭! ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬تقومون‭ ‬بتوثيق‭ ‬عشرات‭ ‬القتلى‭ ‬من‭ ‬الأطفال؟‭ ‬هل‭ ‬أنشئت‭ ‬منظمتكم‭ ‬و”أخواتها”‭ ‬فقط‭ ‬لتوثيق‭ ‬أحوال‭ ‬المنبوذين‭ ‬وشذاذ‭ ‬الآفاق‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬العرب؟

كم‭ ‬أديبا‭ ‬سيكتب‭ ‬عن‭ ‬قصة‭ ‬رعب‭ ‬الأم‭ ‬التي‭ ‬وجدت‭ ‬نفسها‭ ‬أمام‭ ‬خيارين‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬تموت‭ ‬هي‭ ‬وكل‭ ‬أولادها،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يموت‭ ‬البعض‭ ‬منهم‭ ‬ويموت‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬كمدا‭ ‬عليهم،‭ ‬إنها‭ ‬أم‭ ‬تختار‭ ‬بين‭ ‬الموت‭ ‬والموت،‭ ‬فهل‭ ‬هناك‭ ‬فنان‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يتفوق‭ ‬على‭ ‬بيكاسو،‭ ‬صاحب‭ ‬لوحة‭ ‬“غورنكا”‭ ‬التي‭ ‬يراها‭ ‬العالم‭ ‬أبشع‭ ‬صورة‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭.‬