نحو استراتيجية نضالية فلسطينية واقعية

| رضي السماك

كانت‭ ‬سمة‭ ‬العصر‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬أربعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬غداة‭ ‬نكبة‭ ‬1948‭ ‬التحرر‭ ‬الوطني‭ ‬من‭ ‬الاستعمار‭ ‬الغربي‭ ‬في‭ ‬آسيا‭ ‬وأفريقيا،‭ ‬وكانت‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ - ‬كقضية‭ ‬عربية‭ ‬قومية‭ - ‬تستأثر‭ ‬بمشاعر‭ ‬واهتمام‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬كافة،‭ ‬بل‭ ‬وتداخلت‭ ‬موضوعياً‭ ‬بشكل‭ ‬محكم‭ ‬مع‭ ‬مهماتها‭ ‬الوطنية‭ ‬للتحرر‭ ‬من‭ ‬الهيمنة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الأجنبية،‭ ‬لذلك‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬غريباً‭ ‬أن‭ ‬تضع‭ ‬الانقلابات‭ ‬العسكرية‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬الخمسينيات‭ ‬ضمن‭ ‬شعاراتها‭ ‬لاستيلائها‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬تحرير‭ ‬فلسطين‭ ‬إثر‭ ‬نكبة‭ ‬1948‭ ‬التي‭ ‬حمّلت‭ ‬الأنظمة‭ ‬التي‭ ‬انقلبت‭ ‬عليها‭ ‬مسؤوليتها،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أفرزت‭ ‬الحرب‭ ‬العربية‭ - ‬الإسرائيلية‭ ‬الثانية‭ ‬عام‭ ‬1967‭ ‬كارثة‭ ‬عسكرية‭ ‬أفدح‭ ‬انتهت‭ ‬باحتلال‭ ‬فلسطين‭ ‬كاملة‭.‬

وقد‭ ‬لعبت‭ ‬الأخطاء‭ ‬في‭ ‬الحسابات‭ ‬الناصرية‭ ‬والسوفييتية‭ ‬دوراً‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬النتيجة‭ ‬المؤسفة،‭ ‬ومُني‭ ‬المشروع‭ ‬القومي‭ ‬الناصري‭ ‬بانتكاسة،‭ ‬هنا‭ ‬تبنت‭ ‬القوى‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المتواجدة‭ ‬في‭ ‬مخيمات‭ ‬اللاجئين‭ ‬في‭ ‬الأردن‭ ‬ولبنان‭ ‬خياراً‭ ‬غير‭ ‬مدروس‭ ‬“الكفاح‭ ‬المسلح”،‭ ‬أي‭ ‬القيام‭ ‬بعمليات‭ ‬عسكرية‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬عبر‭ ‬التسلل‭ ‬من‭ ‬حدود‭ ‬هاتين‭ ‬الدولتين‭ ‬العربيتين‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬تمكنهما‭ ‬وشعبيهما‭ ‬من‭ ‬تحمل‭ ‬أعباء‭ ‬الضربات‭ ‬الانتقامية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬القاسية،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬تدخل‭ ‬الفصائل‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المسلحة‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬السيادية‭ ‬الوطنية‭ ‬لهاتين‭ ‬الدولتين،‭ ‬وكلنا‭ ‬نعرف‭ ‬ما‭ ‬نجم‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خسارة‭ ‬المقاومة‭ ‬كلتا‭ ‬الساحتين‭ ‬على‭ ‬التوالي‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1970‭ ‬ثم‭ ‬صيف‭ ‬عام‭ ‬1982‭ ‬عندما‭ ‬حاصر‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بيروت‭ ‬العاصمة‭. ‬وهنا‭ ‬أيضاً‭ ‬كانت‭ ‬للقوى‭ ‬الوطنية‭ ‬اليسارية‭ ‬اللبنانية‭ ‬الحليفة‭ ‬للفصائل‭ ‬الفلسطينية‭ ‬أخطاؤها‭ ‬الفادحة‭ ‬لقبولها‭ ‬خوض‭ ‬حرب‭ ‬أهلية‭ ‬متشعبة‭ ‬المهام‭ ‬القومية‭ ‬والمحلية‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬الفصائل‭ ‬التي‭ ‬بدورها‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬شؤونها‭ ‬حل‭ ‬التناقضات‭ ‬المحلية‭ ‬العربية‭. ‬لكن‭ ‬ورغم‭ ‬هذه‭ ‬التجارب‭ ‬المريرة‭ ‬لم‭ ‬يجرِ‭ ‬للأسف‭ ‬استيعابها‭ ‬فلسطينيا‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬تبني‭ ‬استراتيجية‭ ‬نضالية‭ ‬موحدة‭ ‬واقعية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬القوى‭ ‬الذاتية‭ ‬وعدالة‭ ‬القضية‭.‬

ومازالت‭ ‬الفرصة‭ ‬مواتية‭ ‬لاستغلال‭ ‬التعاطف‭ ‬العالمي‭ ‬والدولي‭ ‬الذي‭ ‬كسبته‭ ‬القضية‭ ‬إثر‭ ‬أحداث‭ ‬الشيخ‭ ‬جراح‭ ‬الأخيرة‭ ‬والعدوان‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬شريطة‭ ‬إنهاء‭ ‬الانقسام‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الراهن‭ ‬وعدم‭ ‬المراهنة‭ ‬على‭ ‬القوى‭ ‬الأجنبية‭ ‬الإقليمية‭ ‬ذات‭ ‬المآرب‭ ‬من‭ ‬الادعاء‭ ‬الكاذب‭ ‬بدفاعها‭ ‬عن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭.‬