سوالف

الخيال مثل الصمت... رفيق العمر وموعد مهم مع الإبداع

| أسامة الماجد

الخيال،‭ ‬هذا‭ ‬الفضاء‭ ‬الفسيح‭ ‬والعالم‭ ‬المديد‭ ‬كان‭ ‬ومازال‭ ‬وسيبقى‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭ ‬زاد‭ ‬المبدعين‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬يرفرف‭ ‬على‭ ‬رؤوسهم‭ ‬كالملاك،‭ ‬وينبئهم‭ ‬بالقادم‭ ‬من‭ ‬تراكمات‭ ‬الظلمة،‭ ‬ومعظم‭ ‬الإنجازات‭ ‬التي‭ ‬حققتها‭ ‬البشرية‭ ‬بدأت‭ ‬بخيال،‭ ‬فنيوتن‭ ‬اكتشف‭ ‬الجاذبية‭ ‬الأرضية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نهش‭ ‬عقله‭ ‬الخيال،‭ ‬وجورج‭ ‬أوريل‭ ‬كتب‭ ‬روايته‭ ‬العظيمة‭ ‬الخالدة‭ ‬“مزرعة‭ ‬الحيوان”‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬انتزعته‭ ‬أظافر‭ ‬الخيال،‭ ‬وجورج‭ ‬براك‭ ‬رائد‭ ‬التكعيبية‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ليبدع‭ ‬في‭ ‬أعماله‭ ‬ولوحاته‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬عشق‭ ‬ورقص‭ ‬مع‭ ‬نيازك‭ ‬الخيال‭.‬

الثقافة‭ ‬والاختبار‭ ‬والمهارة‭ ‬والبيئة‭ ‬قد‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬تحویل‭ ‬طرفة‭ ‬فريدة‭ ‬من‭ ‬الخيال‭ ‬إلى‭ ‬عمل‭ ‬فني‭ ‬كتمثيلية‭ ‬أو‭ ‬سيمفونية‭ ‬أو‭ ‬صورة‭ ‬ملونة‭ ‬أو‭ ‬ترکیب‭ ‬آلي‭ ‬رائع،‭ ‬فالأفكار‭ ‬هي‭ ‬بنات‭ ‬الخيال‭ ‬وأساس‭ ‬النبوغ‭ ‬والاختراع،‭ ‬وإن‭ ‬أعظم‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬العقل‭ ‬البشري‭ ‬من‭ ‬اكتشافات‭ ‬واختراعات‭ ‬أو‭ ‬صنع‭ ‬آلات‭ ‬أو‭ ‬تفهم‭ ‬تام‭ ‬للرياضيات،‭ ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬تحقيق‭ ‬للأفكار‭ ‬المتولدة‭ ‬في‭ ‬ذهن‭ ‬الإنسان‭ ‬وإبرازها‭ ‬لحيز‭ ‬الوجود‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬البيئة‭ ‬المادية‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬عائقا‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬الخيال،‭ ‬لذلك‭ ‬لسنا‭ ‬نعتمد‭ ‬على‭ ‬الخيال‭ ‬حتى‭ ‬يتبرهن‭ ‬بالملاحظة‭ ‬والاختبار‭ ‬أو‭ ‬الاكتشاف،‭ ‬ولا‭ ‬يحسب‭ ‬تفكيرنا‭ ‬الخيالي‭ ‬بحسب‭ ‬عقولنا‭ ‬المادية‭ ‬حسابا‭ ‬للوقت‭ ‬أو‭ ‬المسافة،‭ ‬فالخيال‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬هدفه‭ ‬بطرفة‭ ‬عين،‭ ‬أكان‭ ‬ذلك‭ ‬الهدف‭ ‬کوكبا‭ ‬سماويا‭ ‬في‭ ‬أقصى‭ ‬الأجواء‭ ‬أو‭ ‬شخصا‭ ‬يجلس‭ ‬بقربك‭.‬

إذا‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬خلود‭ ‬للروح‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬خلود‭ ‬للخيال‭ ‬أيضا،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬عبر‭ ‬عنه‭ ‬الفيلسوف‭ ‬والكاتب‭ ‬الإنجليزي‭ ‬“كولن‭ ‬ويلسن”‭ ‬حينما‭ ‬قال‭.. ‬النغمات‭ ‬الصوتية‭ ‬وكذلك‭ ‬الألوان‭ ‬البهية‭ ‬الزاهية‭ ‬تسبح‭ ‬أمامنا‭ ‬في‭ ‬الفضاء،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬بعضها‭ ‬قد‭ ‬تجده‭ ‬في‭ ‬قفازاتنا‭ ‬وتحت‭ ‬قبعاتنا‭ ‬منذ‭ ‬الأزل،‭ ‬ومن‭ ‬يتخذ‭ ‬الإبداع‭ ‬حبيبا‭ ‬سيطوي‭ ‬المسافات‭ ‬إليه‭ ‬ويكتشفه‭. ‬الخيال‭ ‬مثل‭ ‬الصمت‭.. ‬رفيق‭ ‬العمر‭ ‬وموعد‭ ‬مهم‭ ‬مع‭ ‬الإبداع‭ ‬والحب‭ ‬المليء‭ ‬بالشذى‭ ‬والورود،‭ ‬وصفة‭ ‬تميز‭ ‬بها‭ ‬الإنسان‭ ‬دون‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬المخلوقات،‭ ‬وقديما‭ ‬قال‭ ‬الصينيون‭ ‬“الخيال‭ ‬مثل‭ ‬العشب‭ ‬الأخضر‭ ‬وكغصن‭ ‬الزهر”‭.‬