عيد فطر سعيد

| د. عبدالله الحواج

بمناسبة‭ ‬العيد‭ ‬السعيد‭ ‬نرفع‭ ‬أصدق‭ ‬التهاني‭ ‬وأسمى‭ ‬التبريكات‭ ‬لقيادتنا‭ ‬الحكيمة‭ ‬وشعبنا‭ ‬الوفي‭ ‬ومملكتنا‭ ‬الغالية‭ ‬بأن‭ ‬يعيد‭ ‬الله‭ ‬علينا‭ ‬وعلى‭ ‬أمة‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬المباركة‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬أسعد‭ ‬حال‭.‬

أما‭ ‬بعد‭ .. ‬هذه‭ ‬ليست‭ ‬رسالة‭ ‬من‭ ‬صديق‭ ‬لصديق،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬قريب‭ ‬لقريب،‭ ‬لكنها‭ ‬ديباجة‭ ‬حرصت‭ ‬أن‭ ‬تتقدم‭ ‬قدوم‭ ‬عيد‭ ‬الفطر‭ ‬السعيد‭ ‬هذه‭ ‬السنة‭ ‬والأمة‭ ‬عن‭ ‬بكرة‭ ‬أبيها‭ ‬بل‭ ‬والعالم‭ ‬أجمع‭ ‬يعيش‭ ‬جائحة‭ ‬ما‭ ‬أنزل‭ ‬الله‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬سلطان،‭ ‬أرقام‭ ‬الإصابات‭ ‬في‭ ‬ازدياد‭ ‬مرعب،‭ ‬وأعداد‭ ‬الوفيات‭ ‬في‭ ‬تصاعد‭ ‬مهول،‭ ‬ومن‭ ‬هم‭ ‬على‭ ‬منصات‭ ‬الرعاية‭ ‬المركزة‭ ‬تتضاعف‭ ‬أعدادهم‭ ‬ولا‭ ‬حول‭ ‬لنا‭ ‬ولا‭ ‬قوة‭.‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬فعلت‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬بوسعها،‭ ‬وصحيح‭ ‬أن‭ ‬بروتوكول‭ ‬المواجهة‭ ‬للجائحة‭ ‬لم‭ ‬يتأخر‭ ‬عن‭ ‬موعده،‭ ‬ولم‭ ‬يتراجع‭ ‬عن‭ ‬خطوط‭ ‬المواجهة،‭ ‬ولم‭ ‬يخفت‭ ‬زئير‭ ‬رجاله‭ ‬منذ‭ ‬يناير‭ ‬2020،‭ ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬الأسف‭ ‬الأرقام‭ ‬في‭ ‬تصاعد،‭ ‬والوفيات‭ ‬تتفاقم،‭ ‬والحالات‭ ‬الخطرة‭ ‬إلى‭ ‬التأزم،‭ ‬الأكيد‭ ‬أن‭ ‬“الغلق‭ ‬التام‭ ‬أو‭ ‬العيش‭ ‬الزؤام”‭ ‬شعار‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يصلح‭ ‬للمرحلة،‭ ‬وصحيح‭ ‬أن‭ ‬العصا‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نجيد‭ ‬التشبث‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬المنتصف‭ ‬قد‭ ‬تجعلنا‭ ‬أكثر‭ ‬حكمة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬فيروس‭ ‬قابل‭ ‬للتحول‭ ‬والتحور‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬وربما‭ ‬كل‭ ‬ساعة،‭ ‬والأكيد‭ ‬أنه‭ ‬رغم‭ ‬ثورة‭ ‬اللقاحات‭ ‬ورغم‭ ‬تلقيح‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني‭ ‬مع‭ ‬المقيمين‭ ‬طبعًا‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الأعداد‭ ‬لا‭ ‬تخجل،‭ ‬والفيروس‭ ‬لا‭ ‬يهدأ،‭ ‬والإصابات‭ ‬لا‭ ‬تتراجع،‭ ‬يقولون‭ ‬إنه‭ ‬اللقاح‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يُجدي‭ ‬نفعًا،‭ ‬وإنه‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬نقبل‭ ‬الأخذ‭ ‬به‭ ‬عندما‭ ‬نوافق‭ ‬على‭ ‬التطعيم‭ ‬بأي‭ ‬من‭ ‬التشكيلة‭ ‬اللقاحية‭ ‬المتاحة،‭ ‬لكنني‭ ‬أقول‭ ‬إنه‭ ‬التسييس‭ ‬للقاحات،‭ ‬التسييس‭ ‬للجائحة،‭ ‬والتسييس‭ ‬ربما‭ ‬للبروتوكولات‭ ‬العلاجية‭.‬

هذه‭ ‬هي‭ ‬المشكلة‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬مربط‭ ‬الفرس،‭ ‬إقحام‭ ‬الأيديولوجيات‭ ‬والمصالح‭ ‬والاصطفافات‭ ‬في‭ ‬حوزة‭ ‬جائحة‭ ‬لا‭ ‬تفهم‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬وإصدار‭ ‬أحكام‭ ‬مسبقة‭ ‬على‭ ‬لقاحات‭ ‬بعينها‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬حِلٍّ‭ ‬بل‭ ‬وفي‭ ‬عجالة‭ ‬من‭ ‬أمرنا‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬ندري‭ ‬أو‭ ‬ندرك‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬اللقاح‭ ‬أكثر‭ ‬نجاعة‭ ‬من‭ ‬ذاك،‭ ‬أم‭ ‬إن‭ ‬اللقاحات‭ ‬جميعها‭ ‬متساوية‭ ‬الرؤوس‭ ‬وأن‭ ‬“فوق‭ ‬كل‭ ‬ذي‭ ‬علم‭ ‬عليم”‭.‬

بالتأكيد‭ ‬أننا‭ ‬نعيش‭ ‬أزمة،‭ ‬وأن‭ ‬المملكة‭ ‬في‭ ‬سبيلها‭ ‬إلى‭ ‬انفتاح‭ ‬أكثر‭ ‬مع‭ ‬السماح‭ ‬بعبور‭ ‬جسر‭ ‬الملك‭ ‬فهد‭ ‬بعد‭ ‬نحو‭ ‬السنة‭ ‬من‭ ‬الإغلاق،‭ ‬بالتأكيد‭ ‬أن‭ ‬فتح‭ ‬الجسر‭ ‬نعمة،‭ ‬وقرار‭ ‬لابد‭ ‬وأن‭ ‬نرفع‭ ‬له‭ ‬القبعات،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الأحوال‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬تتضاعف‭ ‬إجراءات‭ ‬الاحتراز،‭ ‬أن‭ ‬نتقن‭ ‬آليات‭ ‬وأحكام‭ ‬التباعد‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الكمامات‭ ‬حجر‭ ‬زاوية‭ ‬في‭ ‬اتقان‭ ‬آليات‭ ‬الوقاية،‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬المطهرات‭ ‬في‭ ‬متناول‭ ‬اليد‭ ‬أينما‭ ‬حللنا‭ ‬وأينما‭ ‬كنا،‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬التباعد‭ ‬الاجتماعي‭ ‬داخل‭ ‬البيوت‭ ‬في‭ ‬العيد‭ ‬السعيد‭ ‬قاب‭ ‬قوسين‭ ‬أو‭ ‬أدنى‭ ‬من‭ ‬الجميع‭.‬

حتى‭ ‬يكون‭ ‬العيد‭ ‬عيدين،‭ ‬وحتى‭ ‬لا‭ ‬تصبح‭ ‬الجائحة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬إرادة‭ ‬الإنسان،‭ ‬وحتى‭ ‬يصبح‭ ‬لدينا‭ ‬اليد‭ ‬الطولى‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المعركة‭ ‬الشرسة‭ ‬الطويلة،‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬على‭ ‬قلب‭ ‬رجل‭ ‬واحد،‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬المواطن‭ ‬متفقًا‭ ‬مع‭ ‬أخيه‭ ‬المواطن‭ ‬ومع‭ ‬ضيفه‭ ‬المقيم،‭ ‬وأن‭ ‬تصبح‭ ‬آليات‭ ‬المواجهة‭ ‬فرض‭ ‬عين‭ ‬وليست‭ ‬ترفًا،‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬التباعد‭ ‬حماية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬غدٍ‭ ‬أفضل‭ ‬وليست‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬إسداء‭ ‬النصح‭ ‬لمن‭ ‬يرفضون‭ ‬النصيحة،‭ ‬أو‭ ‬إبداء‭ ‬الرأي‭ ‬الآخر،‭ ‬لمن‭ ‬لا‭ ‬يكترثون‭ ‬بالرأي‭ ‬الآخر،‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المسئولية،‭ ‬وأن‭ ‬نفهم‭ ‬في‭ ‬ثقافة‭ ‬التراحم‭ ‬بالتباعد‭ ‬والتآلف‭ ‬بالتعاضد،‭ ‬والتكاتف‭ ‬بالاتفاق‭ ‬على‭ ‬كلمة‭ ‬سواء،‭ ‬وكل‭ ‬عام‭ ‬وأنتم‭ ‬بألف‭ ‬خير‭.‬