الاكتئاب الجمعي

| هدى حرم

حينَ‭ ‬يتهاوى‭ ‬الناسُ‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أرجاء‭ ‬المعمورة‭ ‬بسبب‭ ‬الأوبئةِ‭ ‬والحروب‭ ‬والكوارثِ‭ ‬الطبيعية‭ ‬والخلل‭ ‬البيئي‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬الأخطاء‭ ‬البشرية،‭ ‬يفقدُ‭ ‬الإنسانُ‭ ‬شعوره‭ ‬بالأمان‭ ‬ويتعاظمُ‭ ‬لديه‭ ‬الشعورُ‭ ‬بالخطر‭ ‬على‭ ‬حياته‭ ‬وحياةِ‭ ‬أحبته؛‭ ‬ولأنه‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬أمامَ‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬التهديدات‭ ‬حولاً‭ ‬ولا‭ ‬قوة؛‭ ‬ينجرفُ‭ ‬نحو‭ ‬دوامةٍ‭ ‬من‭ ‬الاكتئاب‭ ‬والإحباط‭ ‬بدرجةٍ‭ ‬ما،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬الأوضاع‭ ‬الراهنة‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬العالمُ‭ ‬اليوم؛‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الاكتئاب‭ ‬باتَ‭ ‬جماعياً‭ ‬تعاني‭ ‬منه‭ ‬الغالبيةُ‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬بدرجاتٍ‭ ‬متفاوتة‭.‬

عندما‭ ‬يفتكُ‭ ‬فيروس‭ ‬لا‭ ‬يُرى‭ ‬بالعينِ‭ ‬المجردة‭ ‬بالملايين‭ ‬ويعرض‭ ‬‮٧‬،‮٨‬‭ ‬مليارات‭ ‬لخطرِ‭ ‬الإصابة‭ ‬يومياً،‭ ‬رغم‭ ‬الاحترازات؛‭ ‬فإنَّ‭ ‬ذلك‭ ‬يُشعرك‭ ‬بالخوف‭ ‬على‭ ‬نفسك‭ ‬والمحيطين‭ ‬بك؛‭ ‬فتدخلَ‭ ‬في‭ ‬حالةٍ‭ ‬من‭ ‬العزلةِ‭ ‬التي‭ ‬تضمن‭ ‬نجاتكَ‭ ‬ونجاة‭ ‬من‭ ‬حولك،‭ ‬ثم‭ ‬تُؤدي‭ ‬هذه‭ ‬العزلةُ‭ ‬القسرية‭ ‬أو‭ ‬الحجر‭ ‬إلى‭ ‬الشعور‭ ‬بالوحدة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ينافي‭ ‬طبيعةَ‭ ‬الإنسان‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬إقامةِ‭ ‬العلاقات‭ ‬والتعايش‭. ‬إن‭ ‬ذلك‭ ‬يُفرزُ‭ ‬حالةً‭ ‬من‭ ‬الحزن‭ ‬والكآبة،‭ ‬وقد‭ ‬يبدوان‭ ‬طبيعيين‭ ‬لدى‭ ‬البعض‭ ‬ومرضيين‭ ‬لدى‭ ‬آخرين‭ ‬قد‭ ‬يلِجونَ‭ ‬في‭ ‬متاهةِ‭ ‬الاكتئاب‭ ‬المرضي‭ ‬الشديد‭. ‬ليست‭ ‬الأوبئة‭ ‬مصدراً‭ ‬أساسياً‭ ‬للاكتئاب‭ ‬الجمعي،‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬الحروبُ‭ ‬التي‭ ‬تجري‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬أكان‭ ‬المرءُ‭ ‬يُعاني‭ ‬من‭ ‬وطأتها‭ ‬مباشرةً‭ ‬أم‭ ‬يشاهدُ‭ ‬مُجرياتها‭ ‬أولاً‭ ‬بأول‭ ‬عبرَ‭ ‬وسائلِ‭ ‬التواصل‭ ‬والإعلام‭ ‬المختلفة‭.. ‬إنَّ‭ ‬استمرارَ‭ ‬النزاعات‭ ‬والحروب‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬رغم‭ ‬الجهود‭ ‬الدولية‭ ‬يبعث‭ ‬على‭ ‬الشعور‭ ‬بالإحباط‭ ‬والألم‭ ‬لدى‭ ‬الأفرادِ‭ ‬والشعوب‭ ‬فتُعاني‭ ‬اكتئاباً‭ ‬جمعياً‭ ‬لا‭ ‬إراديا‭.‬

يُضاف‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬وذاك‭ ‬الخوفُ‭ ‬والهلعُ‭ ‬الذي‭ ‬يُصيبُ‭ ‬الناسَ‭ ‬في‭ ‬دولٍ‭ ‬ومدن‭ ‬بسبب‭ ‬الزلازل‭ ‬والبراكين‭ ‬والحرائقِ‭ ‬الطبيعية‭ ‬في‭ ‬الغابات؛‭ ‬فيضطرون‭ ‬لهجرةِ‭ ‬مدنهم‭ ‬ومساكنهم‭ ‬باحثينَ‭ ‬عن‭ ‬ملجأٍ‭ ‬آمنٍ‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬رحلةٍ‭ ‬مُضنية‭ ‬ينجحون‭ ‬فيها‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬ينجحون‭ ‬في‭ ‬النجاةِ‭ ‬بأنفسهم‭ ‬من‭ ‬موتٍ‭ ‬محقق‭. ‬أضِف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬الخوف‭ ‬الذي‭ ‬يُعاني‭ ‬منه‭ ‬سكان‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬من‭ ‬سقوطِ‭ ‬صواريخَ‭ ‬طائشةٍ‭ ‬خرجت‭ ‬عن‭ ‬السيطرة،‭ ‬ومن‭ ‬التلوثات‭ ‬البيئية‭ ‬الخطرة،‭ ‬كلُ‭ ‬تلك‭ ‬الأسباب‭ ‬تؤسِّسُ‭ ‬للاكتئابِ‭ ‬الجمعي،‭ ‬فيختفي‭ ‬شعور‭ ‬الناس‭ ‬بالفرح،‭ ‬بل‭ ‬وقد‭ ‬يخشون‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬حالةٍ‭ ‬من‭ ‬السعادة؛‭ ‬فيغلبُ‭ ‬عليهم‭ ‬شعورُ‭ ‬الحزن،‭ ‬وتنشأُ‭ ‬لديهم‭ ‬اضطراباتٌ‭ ‬في‭ ‬النوم‭ ‬ويعانون‭ ‬من‭ ‬قلة‭ ‬الشهية‭ ‬للطعام،‭ ‬وقد‭ ‬تشتدُ‭ ‬أعراضُ‭ ‬الاكتئاب‭ ‬لدى‭ ‬البعض‭ ‬لتكون‭ ‬أكثرَ‭ ‬خطورةً‭ ‬على‭ ‬حياتهم‭ ‬وسلامتهم‭.‬

إنَّ‭ ‬وسائلَ‭ ‬الإعلام‭ ‬ومواقعَ‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬تلعب‭ ‬دوراً‭ ‬رئيساً‭ ‬في‭ ‬بثِّ‭ ‬الذعرِ‭ ‬أو‭ ‬نشرِ‭ ‬الأملِ‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬البشر،‭ ‬فلتكنْ‭ ‬وسائلُ‭ ‬الإعلام‭ ‬أكثرَ‭ ‬حِرَفيةٍ‭ ‬في‭ ‬انتقاء‭ ‬الأخبار‭ ‬وطرقِ‭ ‬نشرها‭ ‬بصورة‭ ‬لا‭ ‬تنتج‭ ‬أمراضاً‭ ‬نفسيةً‭ ‬لدى‭ ‬المتلقي‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬البعيد،‭ ‬وعلينا‭ ‬نحنُ‭ ‬أنْ‭ ‬نتجاوزَ‭ ‬المنشوراتِ‭ ‬المفعمة‭ ‬بالتشاؤم،‭ ‬وتلك‭ ‬التي‭ ‬تبثُّ‭ ‬الهلعَ‭ ‬والخوف‭ ‬في‭ ‬النفوس‭ ‬وتزيدُ‭ ‬من‭ ‬أمورِنا‭ ‬سوءاً‭. ‬كما‭ ‬ينبغي‭ ‬علينا‭ ‬الالتزام‭ ‬بالقوانين‭ ‬ووقايةِ‭ ‬أنفسنا‭ ‬وتوخي‭ ‬الحذر‭ ‬في‭ ‬جُلِّ‭ ‬أمورِنا‭ ‬والتوكل‭ ‬على‭ ‬المولى‭ ‬عزَّ‭ ‬وجل،‭ ‬فاللهُ‭ ‬خيرٌ‭ ‬حافظاً‭ ‬وهو‭ ‬أرحمُ‭ ‬الرحمين‭.‬