وداع محمل بالحب يا صديقي

| فرات البسام

سئمنا‭ ‬الجروح‭ ‬التي‭ ‬ترافقنا‭ ‬وتتجدد‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬أشخاص‭ ‬آخرين،‭ ‬وأحيانا‭ ‬تجد‭ ‬أن‭ ‬العزلة‭ ‬ملاذك‭ ‬الأخير‭ ‬مثل‭ ‬ألبير‭ ‬كامو‭ ‬وبارنيس‭ ‬باسترناك،‭ ‬أحدهما‭ ‬اعتزل‭ ‬الصحافة‭ ‬بعد‭ ‬إنجازاته‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬مجرى‭ ‬الثورة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬والآخر‭ ‬بسبب‭ ‬هجومه‭ ‬في‭ ‬كتابته‭ ‬على‭ ‬الكنيسة،‭ ‬فطلب‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬يقف‭ ‬رجل‭ ‬دين‭ ‬من‭ ‬الكنيسة‭ ‬على‭ ‬قبره،‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬تعزف‭ ‬على‭ ‬قبره‭ ‬موسيقى‭ ‬شوبان‭ ‬باخ‭ ‬الحزينة،‭ ‬لكن‭ ‬المشكلة‭ ‬الكبيرة‭ ‬ليست‭ ‬لدى‭ ‬المثقفين،‭ ‬بل‭ ‬لدى‭ ‬المنافق‭ ‬والجاهل‭ ‬والعنصري،‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يفهم‭ ‬كيف‭ ‬يعيش‭ ‬مع‭ ‬الناس‭ ‬ولا‭ ‬يعرف‭ ‬العزلة،‭ ‬وبقاؤه‭ ‬ليس‭ ‬إلا‭ ‬تشويها‭ ‬لصورة‭ ‬الإنسان‭ ‬النبيل،‭ ‬لأنه‭ ‬بكل‭ ‬الأحوال‭ ‬معزول‭ ‬ذهنيا‭ ‬ويعيش‭ ‬داخل‭ ‬قيحه‭ ‬المتورم‭ ‬المحمل‭ ‬بالأحقاد‭.‬

وقبل‭ ‬نحو‭ ‬عشرة‭ ‬أيام‭ ‬ذهلت‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬الأصدقاء‭ ‬وهو‭ ‬يسألني‭ ‬عن‭ ‬قصته‭ ‬القصيرة‭ ‬والأليمة،‭ ‬يقول‭ ‬كنت‭ ‬بعلاقة‭ ‬طيبة‭ ‬مع‭ ‬صديق‭ ‬تشاركنا‭ ‬العيش‭ ‬والسفر‭ ‬والعمل‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬طويل،‭ ‬ويقسم‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬مخلصا‭ ‬صادق‭ ‬النوايا،‭ ‬يقول‭ ‬تفاجأت‭ ‬بأنه‭ ‬كلف‭ ‬أحد

عمالته‭ ‬بالتجسس‭ ‬علي،‭ ‬يقول‭.. ‬أصابني‭ ‬الحزن‭ ‬عليه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬حزني‭ ‬على‭ ‬نفسي‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬فيه‭ ‬التفكير‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬المستوى‭ ‬وينسى‭ ‬ما‭ ‬تشاركنا‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬مصاعب‭ ‬الحياة،‭ ‬هنا‭ ‬صمت‭ ‬صديقي‭ ‬قليلا‭ ‬وسألني‭ ‬ماذا‭ ‬أفعل‭ ‬هل‭ ‬أقول‭ ‬له‭ ‬أم‭ ‬أصمت؟‭ ‬ماذا‭ ‬أفعل؟‭ ‬قلت‭ ‬له‭ ‬هذا‭ ‬حال‭ ‬الكثير‭ ‬وكلمته‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬القصص‭ ‬للكتاب‭ ‬والفلاسفة،‭ ‬قلت‭ ‬له‭ ‬معظمهم‭ ‬يناضلون‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬السلام‭ ‬والثقافة‭ ‬والأدب‭ ‬والبعض‭ ‬من‭ ‬البرابرة‭ ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬على‭ ‬إظهار‭ ‬عيوب‭ ‬الآخرين‭ ‬وهم‭ ‬من‭ ‬ضعاف‭ ‬النفوس‭ ‬يحاربون‭ ‬هؤلاء‭ ‬حتى‭ ‬جعلوهم‭ ‬يعتزلون‭ ‬الكتابة‭ ‬والنصح‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬البسطاء‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬بأمس‭ ‬الحاجة‭ ‬لكتاباتهم،‭ ‬فيا‭ ‬صديقي‭ ‬أنت‭ ‬أيضا‭ ‬احمل‭ ‬حقائبك‭ ‬واعتزل‭ ‬ذاك‭ ‬العمل‭ ‬وارحل‭ ‬عن‭ ‬من‭ ‬سولت‭ ‬له‭ ‬نفسه‭ ‬أن‭ ‬يخونك،‭ ‬فأنت‭ ‬يا‭ ‬صديقي‭ ‬لست‭ ‬مسؤولا‭ ‬عن‭ ‬أفكاره‭ ‬ولا‭ ‬أحقاده،‭ ‬وأنت‭ ‬يا‭ ‬صديقي‭ ‬لست‭ ‬أفضل‭ ‬بأفكارك‭ ‬ونضالك‭ ‬من‭ ‬ألبير‭ ‬كامو‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬باسترناك‭.. ‬ابق‭ ‬ناصحا‭ ‬أمينا‭ ‬يا‭ ‬صديقي‭.‬