ومضة قلم

اصنعوا الفرح

| محمد المحفوظ

عامٌ‭ ‬آخر‭ ‬يطل‭ ‬علينا‭ ‬وبهجة‭ ‬العيد‭ ‬ناقصة‭ ‬بسبب‭ ‬هذا‭ ‬الوباء‭ ‬المتوحش،‭ ‬يأتي‭ ‬العيد‭ ‬متثاقل‭ ‬الخطوات،‭ ‬لا‭ ‬كما‭ ‬عودنا‭ ‬وكما‭ ‬اشتقنا‭ ‬له‭ ‬وانتظرناه‭ ‬طويلا‭ ‬ليزيح‭ ‬عن‭ ‬نفوسنا‭ ‬ما‭ ‬علق‭ ‬بها،‭ ‬لا‭ ‬يحمل‭ ‬–‭ ‬كعادته‭ - ‬أشياءه‭ ‬البسيطة‭ ‬التي‭ ‬تلون‭ ‬حياتنا‭ ‬وتضفي‭ ‬عليها‭ ‬طابعها‭ ‬الجميل‭. ‬أصبح‭ ‬يزورنا‭ ‬مكتئبا‭ ‬متجهما‭ ‬خاليا‭ ‬من‭ ‬المشاعر،‭ ‬شيء‭ ‬مرعب‭ ‬أن‭ ‬يطل‭ ‬العيد‭ ‬كالزائر‭ ‬الغريب،‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬بلا‭ ‬طعم‭ ‬وكأنه‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يصافحنا‭ ‬بكلمات‭ ‬الحب‭ ‬ولمسات‭ ‬الحنان،‭ ‬نتلفت‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬فلا‭ ‬نعثر‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يبعث‭ ‬في‭ ‬نفوسنا‭ ‬الفرح،‭ ‬وكأنّ‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬اغتال‭ ‬البسمة‭ ‬من‭ ‬الوجوه‭ ‬وجعلنا‭ ‬محطمين‭ ‬تائهين‭ ‬مكتئبين‭.‬

وكان‭ ‬طبيعيا‭ ‬أن‭ ‬ينعكس‭ ‬على‭ ‬الوضع‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والعائلي‭ ‬بحيث‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬أمام‭ ‬الأطفال‭ ‬سوى‭ ‬البقاء‭ ‬بعزلتهم،‭ ‬الأطفال‭ ‬هم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬يشعرون‭ ‬بغياب‭ ‬العيد‭ ‬كما‭ ‬مر‭ ‬عليهم‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الفائت،‭ ‬إنهم‭ ‬ضائعون‭ ‬ومتأثرون‭ ‬نفسيا‭ ‬واجتماعيا‭ ‬كأشجار‭ ‬القصب‭ ‬تعصف‭ ‬بهم‭ ‬الريح‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانوا‭ ‬يملأون‭ ‬الساحات‭ ‬برقصهم‭ ‬وضحكاتهم‭ ‬المجلجلة‭.. ‬ولعمري‭ ‬أي‭ ‬معنى‭ ‬بقي‭ ‬للعيد‭ ‬إذا‭ ‬فقد‭ ‬الأطفال‭ ‬مرحهم‭! ‬ولا‭ ‬نملك‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نردد‭ ‬مع‭ ‬الشاعر‭ ‬بدوي‭ ‬الجبل‭ ‬“ويا‭ ‬رب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الطفولة‭ ‬وحدها‭.. ‬افض‭ ‬بركات‭ ‬السلم‭ ‬شرقا‭ ‬ومغربا”،‭ ‬لكن‭ ‬صناعة‭ ‬الفرح‭ ‬باتت‭ ‬واجبة‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬الظروف،‭ ‬ولعل‭ ‬من‭ ‬بواعث‭ ‬السعادة‭ ‬ما‭ ‬اعتاد‭ ‬عليه‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬استعدادا‭ ‬لاستقبال‭ ‬العيد‭ ‬في‭ ‬اقتناء‭ ‬الملابس‭ ‬الجديدة‭ ‬وتجهيز‭ ‬لوازم‭ ‬العيد،‭ ‬وهذه‭ ‬تقاليد‭ ‬حرصوا‭ ‬عليها‭ ‬وتوارثوها‭ ‬من‭ ‬الآباء‭ ‬عن‭ ‬الأجداد‭.‬

ليس‭ ‬هناك‭ ‬أي‭ ‬إنسان‭ ‬سوي‭ ‬بغنى‭ ‬عن‭ ‬لحظات‭ ‬الفرح‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تحفل‭ ‬به‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬إحباطات‭ ‬وأزمات،‭ ‬ولأن‭ ‬العيد‭ ‬من‭ ‬اللحظات‭ ‬النادرة‭ ‬فالواجب‭ ‬اقتناص‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬لإضاءة‭ ‬القناديل‭ ‬داخل‭ ‬النفوس‭ ‬المحبطة،‭ ‬ويبدو‭ ‬مثيرا‭ ‬للعجب‭ ‬ما‭ ‬يزعمه‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬أنّ‭ ‬العيد‭ ‬يومٌ‭ ‬كسائر‭ ‬الأيام‭ ‬بلا‭ ‬معنى‭!‬‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يردده‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬هل‭ ‬للعيد‭ ‬بهجة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬غاب‭ ‬من‭ ‬كانوا‭ ‬يؤنسون‭ ‬حياتنا؟‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬القول‭ ‬بالتأكيد‭ ‬يتناقض‭ ‬مع‭ ‬الفطرة‭ ‬الإنسانية‭ ‬السليمة‭.‬