قهوة الصباح

الشيخ شمس الدين... لا للقطيعة والمقاطعة

| سيد ضياء الموسوي

كما‭ ‬طرحت‭ ‬سابقا‭ ‬عبر‭ ‬تنظير‭ ‬سياسي‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬التعاطي‭ ‬للشأن‭ ‬العام،‭ ‬موضحا‭: ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬نظريتين‭ ‬في‭ ‬التعاطي‭ ‬السياسي‭: ‬نظرية‭ ((‬القطيعة‭ ‬والمقاطعة‭)‬،‭ ‬ونظرية‭ ((‬التواصل‭ ‬والمواصلة‭)) ‬مع‭ ‬الدولة‭. ‬منذ‭ ‬رجوعي‭ ‬للبحرين‭ ‬عام‭ ‬2002،‭ ‬وأنا‭ ‬أسعى‭ ‬لتأصيلها‭ ‬بعمق‭ ‬فلسفي،‭ ‬وكقناعة‭ ‬سياسية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬الوطنية،‭ ‬و‭((‬الواقعية‭ ‬السياسية‭)) ‬والمصلحة‭ ‬العامة‭ ‬للدولة‭ ‬والوطن‭ ‬والناس‭. ‬وهذه‭ ‬النظرية‭ ‬اقتنعت‭ ‬بها‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1996في‭ ‬قم‭ ‬بعد‭ ‬قراءات‭ ‬معمقة‭ ‬في‭ ‬الفلسفة،‭ ‬والعلوم‭ ‬الإنسانية،‭ ‬والنضج‭ ‬النقدي‭ ‬للتراث،‭ ‬والفقه‭ ‬والتاريخ‭. ‬وسأدعم‭ ‬نظريتي‭ ‬بأدلة‭ ‬علمية‭ ‬فقهية‭ ‬وتاريخية‭. ‬اليوم‭ ‬سوف‭ ‬أطرح‭ ‬كتاب‭ (‬الوصايا‭) ‬للشيخ‭ ‬محمد‭ ‬مهدي‭ ‬شمس‭ ‬الدين،‭ ‬وأناقشه‭ ‬ببعد‭ ‬أنثربولوجي،‭ ‬تفكيكي‭ ‬عقائدي‭ ‬وسوسيولوجي؛‭ ‬لأثبت‭ ‬به‭ ‬فلسفيا”،‭ ‬وعلميا‭ ‬أن‭ ‬العلاقة‭ ‬الإيجابية‭ ‬مع‭ ‬الدولة‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬صالح‭ ‬الوطن،‭ ‬وأن‭ ‬علاقة‭ ‬القطيعة‭ ‬تقود‭ ‬إلى‭ ‬الفتن‭ ‬والمحارق،‭ ‬ودفع‭ ‬الفواتير‭ ‬السياسية‭. ‬

يقول‭ ‬الشيخ‭ ‬شمس‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬وصيته‭ ‬للشيعه‭ ‬قبل‭ ‬مماته‭ ‬في‭ ‬باريس‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬الوصايا‭: ((‬وصيتي‭ ‬إلى‭ ‬عموم‭ ‬الشيعة‭: ‬أوصي‭ ‬أبنائي‭ ‬وإخواني‭ ‬الشيعة‭ ‬الإمامية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬وطن‭ ‬من‭ ‬أوطانهم،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬مجتمع‭ ‬من‭ ‬مجتمعاتهم،‭ ‬أن‭ ‬يدمجوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬في‭ ‬أقوامهم‭ ‬وفي‭ ‬مجتمعاتهم‭ ‬وفي‭ ‬أوطانهم،‭ ‬وألا‭ ‬يميزوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬بأي‭ ‬تميز‭ ‬خاص،‭ ‬وألا‭ ‬يخترعوا‭ ‬لأنفسهم‭ ‬مشروعا‭ ‬خاصا‭ ‬يميزهم‭ ‬عن‭ ‬غيرهم؛‭ ‬لأن‭ ‬المبدأ‭ ‬الأساس‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬ـ‭ ‬وهو‭ ‬المبدأ‭ ‬الذي‭ ‬أقره‭ ‬أهل‭ ‬البيت‭ ‬المعصومون‭ ‬عليهم‭ ‬السلام‭ ‬ـ‭ ‬هو‭ ‬وحدة‭ ‬الأمة،‭ ‬التي‭ ‬تلازم‭ ‬وحدة‭ ‬المصلحة،‭ ‬ووحدة‭ ‬الأمة‭ ‬تقتضي‭ ‬الاندماج‭ ‬وعدم‭ ‬التمايز‭. ‬وأوصيهم‭ ‬بألا‭ ‬ينجروا‭ ‬وألا‭ ‬يندفعوا‭ ‬وراء‭ ‬كل‭ ‬دعوة‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تميزهم‭ ‬تحت‭ ‬أي‭ ‬ستار‭ ‬من‭ ‬العناوين،‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬إنصافهم‭ ‬ورفع‭ ‬الظلامة‭ ‬عنهم،‭ ‬ومن‭ ‬قبيل‭ ‬كونهم‭ ‬أقلية‭ ‬من‭ ‬الأقليات‭ ‬لها‭ ‬حقوق‭ ‬غير‭ ‬تلك‭ ‬الحقوق‭ ‬التي‭ ‬تتمتع‭ ‬بها‭ ‬سائر‭ ‬الأقليات‭.‬

إن‭ ‬هذه‭ ‬الدعوات‭ ‬كانت‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬شرا‭ ‬مطلقا،‭ ‬عادت‭ ‬على‭ ‬الشيعة‭ ‬بأسوأ‭ ‬الظروف‭. ‬الشيعة‭ ‬يحسنون‭ ‬ظروف‭ ‬حياتهم‭ ‬ومشاركتهم‭ ‬في‭ ‬مجتمعهم‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬اندماجهم‭ ‬في‭ ‬الاجتماع‭ ‬الوطني‭ ‬العام،‭ ‬والاجتماع‭ ‬الإسلامي‭ ‬العام،‭ ‬والاجتماع‭ ‬القومي‭ ‬العام‭)) ‬ويقول‭ ‬ايضا‭: ((‬فقد‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬العقدين‭ ‬أو‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬السنين‭ ‬ظاهرة‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬الشيعة‭ ‬العرب‭ ‬بشكل‭ ‬خاص،‭ ‬وبدائرة‭ ‬الشيعة‭ ‬بوجه‭ ‬عام،‭ ‬وهي‭ ‬إنشاء‭ ‬تكتلات‭ ‬حزبية‭ ‬سياسية‭ ‬بوجه‭ ‬خاص‭ ‬لغرض‭ ‬المطالبة‭ ‬بحقوق‭ ‬الشيعة،‭ ‬أو‭ ‬إظهار‭ ‬شخصية‭ ‬الشيعة،‭ ‬أو‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الشيعة‭. ‬وهذه‭ ‬التكوينات‭ ‬ـ‭ ‬بحسب‭ ‬رصدنا‭ ‬لما‭ ‬آلت‭ ‬إليه‭ ‬ـ‭ ‬لم‭ ‬تؤد‭ ‬إلى‭ ‬أية‭ ‬نتيجة‭ ‬تذكر،‭ ‬بل‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأزمات،‭ ‬وعمّقت‭ ‬الخوف‭ ‬والحذر‭ ‬وسوء‭ ‬الظن‭ ‬والتربص‭ ‬في‭ ‬أنفس‭ ‬بقية‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬خصوص‭ ‬طائفة‭ ‬الشيعة،‭ ‬وسعت‭ ‬نحو‭ ‬عزلهم‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬العامة‭ ‬وعن‭ ‬التفاعل‭ ‬مع‭ ‬نظام‭ ‬المصالح‭ ‬العامة‭.‬

هذه‭ ‬التكوينات،‭ ‬تارة‭ ‬يراد‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬تكوينات‭ ‬ثقافية‭ ‬محضة،‭ ‬وهنا‭ ‬يجب‭ ‬ألاّ‭ ‬يغلب‭ ‬عليها‭ ‬طابع‭ ‬المذهبية‭ ‬التمايزية،‭ ‬وإنما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تنطلق‭ ‬من‭ ‬رؤية‭ ‬وحدوية‭ ‬إلى‭ ‬الأمة،‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬الجوامع‭ ‬المشتركة‭ ‬ـ‭ ‬وما‭ ‬أكثرها‭ ‬ـ‭ ‬التي‭ ‬تجمع‭ ‬المسلمين‭ ‬فيما‭ ‬بينهم،‭ ‬ولا‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬خصوصيات‭ ‬التمايز‭ ‬وعلى‭ ‬خصوصيات‭ ‬التباين‭. ‬وإما‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬تجمعات‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬اقتصادية‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬في‭ ‬نظرنا‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬بوجه‭ ‬من‭ ‬الوجوه‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭. ‬وقد‭ ‬ثبت‭ ‬بالتجربة‭ ‬أن‭ ‬التجمعات‭ ‬الشيعية‭ ‬المعاصرة،‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬“حزب‭ ‬الدعوة”‭ ‬وغير‭ ‬“حزب‭ ‬الدعوة”،‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬أن‭ ‬تحقق‭ ‬لنفسها‭ ‬بعدا‭ ‬إسلاميا‭ ‬داخل‭ ‬الطوائف‭ ‬والمذاهب‭ ‬الأخرى،‭ ‬وإنما‭ ‬حققت‭ ‬في‭ ‬أحسن‭ ‬الأحوال‭ ‬تعايشا‭ ‬هشا‭ ‬مشوبا‭ ‬بالشك‭ ‬والحذر‭)).‬‭ ‬ويقول‭: ((‬وصيتي‭ ‬الثابتة‭ ‬للشيعة‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬وطن‭ ‬من‭ ‬أوطانهم،‭ ‬وللشيعة‭ ‬غير‭ ‬العرب‭ ‬خارج‭ ‬إيران‭ (‬إيران‭ ‬هي‭ ‬دولة‭ ‬قائمة‭ ‬بنفسها‭)‬،‭ ‬أوصي‭ ‬الشيعة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مجتمع‭ ‬من‭ ‬مجتمعاتهم،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬قوم‭ ‬من‭ ‬أقوامهم،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬من‭ ‬دولهم،‭ ‬ألا‭ ‬يفكروا‭ ‬بالحس‭ ‬السياسي‭ ‬المذهبي‭ ‬أبدا،‭ ‬وألا‭ ‬يبنوا‭ ‬علاقاتهم‭ ‬مع‭ ‬أقوامهم‭ ‬ومع‭ ‬مجتمعاتهم‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬التمايز‭ ‬الطائفي‭ ‬وعلى‭ ‬أساس‭ ‬الحقوق‭ ‬السياسية‭ ‬والمذهبية‭. ‬المطلوب‭ ‬من‭ ‬الأنظمة‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬مجموعات‭ ‬متنوعة‭ ‬أن‭ ‬تعترف‭ ‬بالهوية‭ ‬الدينية‭ ‬والمذهبية‭ ‬لكل‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المجموعات‭.‬

وأما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الموضوع‭ ‬السياسي،‭ ‬فأكرر‭ ‬وصيتي‭ ‬الملحة‭ ‬بأن‭ ‬يتجنب‭ ‬الشيعة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬وطن‭ ‬من‭ ‬أوطانهم‭ ‬شعار‭ ‬حقوق‭ ‬الطائفة‭ ‬والمطالبة‭ ‬بحصص‭ ‬في‭ ‬النظام‭. ‬وأوصيهم‭ ‬وصية‭ ‬مؤكدة‭ ‬بألا‭ ‬يسعى‭ ‬أي‭ ‬منهم‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ينشئ‭ ‬مشروعا‭ ‬خاصا‭ ‬للشيعة‭ ‬في‭ ‬وطنه‭ ‬ضمن‭ ‬المشروع‭ ‬العام،‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬السياسي‭ ‬أو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬أو‭ ‬التنموي‭. ‬أوصيهم‭ ‬بأن‭ ‬يندمجوا‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬المصالح‭ ‬العام،‭ ‬وفي‭ ‬النظام‭ ‬الوطني‭ ‬العام،‭ ‬وأن‭ ‬يكونوا‭ ‬متساوين‭ ‬في‭ ‬ولائهم‭ ‬للنظام،‭ ‬والقانون،‭ ‬وللاستقرار،‭ ‬وللسلطات‭ ‬العامة‭ ‬المحترمة‭.‬

ثم‭ ‬يضيف‭ ((‬وأكرر‭ ‬وصيتي‭ ‬لهم‭ ‬ألا‭ ‬ينشئوا‭ ‬أية‭ ‬مواجهة‭ ‬أمنية‭ ‬أو‭ ‬سياسية‭ ‬مع‭ ‬أي‭ ‬نظام‭ ‬من‭ ‬الأنظمة‭)).‬

شمس‭ ‬الدين‭ ‬من‭ ‬أنصار‭ ‬العقل‭ ‬والتوازن،‭ ‬ومطالبة‭ ‬الإصلاح‭ ‬بالاشتراك‭ ‬مع‭ ‬الدولة‭ ‬وفق‭ ‬مؤسساتها‭ ‬لا‭ ‬بالقطيعة‭. ‬دعونا‭ ‬نطرح‭ ‬نقاشا‭ ‬علميا،‭ ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬تتم‭ ‬مقاطعة‭ ‬الانتخابات‭ ‬البحرينية‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬مرة؟‭ ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬بنينا‭ ‬على‭ ‬الإنجازات‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬المقاطعة؟‭ ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬تقدم‭ ‬الاستقالات‭ ‬البرلمانية؟‭ ‬دعونا‭ ‬نصنع‭ ‬مناخا‭ ‬إيجابيا،‭ ‬جميعا‭. ‬والاصلاح‭ ‬التراكمي‭ ‬يكون‭ ‬بالمشاركة‭ ‬الإيجابية،‭ ‬ودعم‭ ‬الحُكم،‭ ‬وشرعية‭ ‬وسيادة‭ ‬الدولة،‭ ‬وعدم‭ ‬رفع‭ ‬شعار‭ ‬قاتل‭ ‬يقود‭ ‬إلى‭ ‬انتحار‭ ‬سياسي‭. ‬طالب،‭ ‬دافع،‭ ‬انتقد،‭ ‬لكن‭ ‬عبر‭ ‬الأطر‭ ‬القانونية‭ ‬والدستورية‭. ‬وسياسة‭ ‬الخطوة‭ ‬خطوة‭ ‬دون‭ ‬حرق‭ ‬المراحل،‭ ‬وبوطنية‭ ‬عالية‭ ‬وإنسانية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تقود‭ ‬إلى‭ ‬خدمة‭ ‬الوطن‭ ‬والجميع‭ ... ‬يتبع