نقطة ارتكاز

أعياد العرب

| د. غسان محمد عسيلان

كل‭ ‬الأمم‭ ‬لها‭ ‬أعياد‭ ‬تحتفل‭ ‬بها،‭ ‬وتفرح‭ ‬وتبتهج‭ ‬فيها،‭ ‬وقد‭ ‬جعل‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬للمسلمين‭ ‬عيدين‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬موسمين‭ ‬مباركين‭ ‬من‭ ‬مواسم‭ ‬الطاعة،‭ ‬وإتمام‭ ‬ركنين‭ ‬عظيمين‭ ‬من‭ ‬أركان‭ ‬الإسلام‭ ‬هما‭: ‬الصوم‭ ‬والحج،‭ ‬وليومِ‭ ‬العيد‭ ‬معانٍ‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬ووجدان‭ ‬كل‭ ‬إنسان‭ ‬منا‭ ‬منذ‭ ‬طفولته‭ ‬وحتى‭ ‬يكبر،‭ ‬فهو‭ ‬يوم‭ ‬بهجة‭ ‬وفرح‭ ‬وسرور،‭ ‬يوم‭ ‬صفاء‭ ‬ونقاء،‭ ‬وينبغي‭ ‬أن‭ ‬نحرص‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬صلة‭ ‬الرحم،‭ ‬وزيارة‭ ‬الأهل‭ ‬والأصدقاء،‭ ‬ونتبادل‭ ‬فيه‭ ‬التهنئة‭ ‬بالعيد‭ ‬بألسنة‭ ‬طاهرة‭ ‬نقية،‭ ‬وقلوب‭ ‬صافية‭ ‬بهية،‭ ‬ونتمنى‭ ‬لبعضنا‭ ‬دوام‭ ‬الخير‭ ‬والمحبة‭ ‬والسلام‭.‬

والعيد‭ ‬الدائم‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬طاعة‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬واتباع‭ ‬سنّة‭ ‬نبيه‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬والتحلي‭ ‬بمكارم‭ ‬الأخلاق،‭ ‬مثل‭: ‬العفو‭ ‬والتسامح‭ ‬والبذل‭ ‬والعطاء،‭ ‬وفي‭ ‬العيد‭ ‬ما‭ ‬أجمل‭ ‬أن‭ ‬نطهر‭ ‬قلوبنا‭ ‬ونغسلها‭ ‬من‭ ‬الأضغان‭ ‬والأحقاد‭ ‬والشحناء‭ ‬والحسد‭ ‬والبغضاء،‭ ‬والبعد‭ ‬عن‭ ‬الكبر‭ ‬والغرور‭ ‬والتعالي،‭ ‬وأن‭ ‬نبذل‭ ‬لبعضنا‭ ‬الكلام‭ ‬الطيب‭ ‬والمشاعر‭ ‬النبيلة،‭ ‬فتتواصل‭ ‬أرحامنا،‭ ‬وتتقارب‭ ‬قلوبنا،‭ ‬وتبتهج‭ ‬نفوسنا،‭ ‬وتسمو‭ ‬أرواحنا،‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬جوهر‭ ‬العيد‭. ‬وعيد‭ ‬العرب‭ ‬الحقيقي‭ ‬حين‭ ‬تتوحد‭ ‬كلمتهم،‭ ‬وتتراص‭ ‬صفوفهم،‭ ‬وتجتمع‭ ‬قلوبهم،‭ ‬فيتركون‭ ‬الخلافات‭ ‬والصراعات‭ ‬والنزاعات‭ ‬امتثالًا‭ ‬لقوله‭ ‬تعالى‭: ‬“وَأَطِيعُوا‭ ‬اللَّهَ‭ ‬وَرَسُولَهُ‭ ‬وَلَا‭ ‬تَنَازَعُوا‭ ‬فَتَفْشَلُوا‭ ‬وَتَذْهَبَ‭ ‬رِيحُكُمْ‭ ‬وَاصْبِرُوا‭ ‬إِنَّ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬مَعَ‭ ‬الصَّابِرِينَ”،‭ ‬وقوله‭ ‬عز‭ ‬وجل‭: ‬“وَاعْتَصِمُوا‭ ‬بِحَبْلِ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬جَمِيعًا‭ ‬وَلَا‭ ‬تَفَرَّقُوا”،‭ ‬ووالله‭ ‬لو‭ ‬تصافت‭ ‬قلوبنا،‭ ‬وتراصت‭ ‬صفوفنا،‭ ‬وانتهت‭ ‬خلافاتنا،‭ ‬وقضينا‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬أسباب‭ ‬الفُرقة‭ ‬والشقاق‭ ‬لاجتمعت‭ ‬كلمتنا،‭ ‬ولأنجزنا‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬مصالح‭ ‬أمتنا‭ ‬على‭ ‬المستويات‭ ‬كافة،‭ ‬ولكنا‭ ‬خير‭ ‬الأمم‭ ‬مصداقًا‭ ‬لقوله‭ ‬تعالى‭: ‬“كُنْتُمْ‭ ‬خَيْرَ‭ ‬أُمَّةٍ‭ ‬أُخْرِجَتْ‭ ‬لِلنَّاسِ‭ ‬تَأْمُرُونَ‭ ‬بِالْمَعْرُوفِ‭ ‬وَتَنْهَوْنَ‭ ‬عَنِ‭ ‬الْمُنْكَرِ‭ ‬وَتُؤْمِنُونَ‭ ‬بِاللَّهِ”،‭ ‬وقوله‭ ‬عزَّ‭ ‬وجلْ‭: ‬“وَكَذَلِكَ‭ ‬جَعَلْنَاكُمْ‭ ‬أُمَّةً‭ ‬وَسَطًا‭ ‬لِتَكُونُوا‭ ‬شُهَدَاءَ‭ ‬عَلَى‭ ‬النَّاسِ‭ ‬وَيَكُونَ‭ ‬الرَّسُولُ‭ ‬عَلَيْكُمْ‭ ‬شَهِيدًا”‭. ‬إن‭ ‬الشّعوب‭ ‬العربيّة‭ ‬والإسلاميّة‭ ‬كالجسد‭ ‬الواحد‭ ‬والبنيان‭ ‬المرصوص‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬أحد‭ ‬زعزعته‭ ‬أو‭ ‬النيل‭ ‬منه،‭ ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬يتحقق‭ ‬بفضل‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬عندما‭ ‬تتوحد‭ ‬صفوفهم‭ ‬وتجتمع‭ ‬كلمتهم‭ ‬وتتفق‭ ‬أهدافهم،‭ ‬والمقصود‭ ‬بتوحيد‭ ‬الصف‭ ‬واجتماع‭ ‬الكلمة‭ ‬أن‭ ‬نحرص‭ ‬جميعًا‭ ‬على‭ ‬مصالح‭ ‬بعضنا‭ ‬البعض،‭ ‬وأن‭ ‬نتعاون‭ ‬على‭ ‬البر‭ ‬والتقوى،‭ ‬ونتآزر‭ ‬ويدعم‭ ‬بعضنا‭ ‬بعضًا،‭ ‬ونحقق‭ ‬التكافل‭ ‬والتضامن‭ ‬والتكامل‭ ‬فيما‭ ‬بيننا‭.‬

إن‭ ‬أمتنا‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭ ‬تمتلك‭ ‬بفضل‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬كل‭ ‬مقومات‭ ‬النهضة‭ ‬والتطور،‭ ‬كما‭ ‬تمتلك‭ ‬منظومة‭ ‬رائعة‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬النّبيلة‭ ‬والأخلاق‭ ‬الفاضلة،‭ ‬وهذا‭ ‬بفضل‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬كفيل‭ ‬بتحقيق‭ ‬المعاني‭ ‬الإنسانية‭ ‬العالية‭ ‬ونشر‭ ‬المحبة‭ ‬والرحمة‭ ‬والتسامح‭ ‬وبذل‭ ‬المعروف‭ ‬بين‭ ‬الناس‭.‬